هون الفقيه الموريتاني الشيخ احمد المهدي من اقدام رئيس منظمة ايرا وبعض من انصاره على حرق مجموعة من الكتب الفقهية قائلا" أن حرق أي كتاب غير كتاب الله تعالى لا يعدو كونه مجرد فعل متأرجح بين الخطإ والصواب، وليس داخلا في دائرة الكفر ". وفي اشارة تفيد تزكية العمل الذي قام به بيرام اشار الفقيه الشيخ احمد المهدي ان حرق مثل هذه الكتب "ربما كان قربة إلى الله عندما تحول بين الناس وبين كتاب الله تعالى ". وفيما بلي نص كلام الشيخ المهدي
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى, وبعد: فإن ما قام به السيد برام في الجمعة الماضية من حرق لمجموعة من الكتب الفقهية لا يعتبر كفرا ولا ردة، ولا يعتبر فسوقا ولا زندقة. لا سيما إذا علمنا أن الكتب التي أحرقت ما زال يجري حولها كثير من الجدل في الأوساط العلمية والمجامع الفقهية، حيث شكك كثير من العلماء في صحة نسبة المدونة إلى الإمام مالك. وإنما دون أشهب بعض ما سمعه من مالك، كما دون ابن القاسم شيئا كذلك، والمعول عليه عند عامة المالكية قديما وحديثا مدونة سحنون المعروفة بالأم، والراجح أنها ليست لسحنون وإنما هي لأسد بن الفرات، وسحنون وأسد بن الفرات كلاهما لم يسمع من مالك شيئا ولم يره قط، وخصومتهما على هذه المدونة من العورات التي ينبغي سترها ولا يستحسن ذكرها.
وأما منظومة ابن عاشر فلا يخفى عليكم جميعا أن نسبة المذهب المالكي فيها نسبة واحد على ثلاثة فقط، حيث بين عبد الواحد بن عاشر أن كتابه في فقه مالك، ولكنه ليس في طريقة ملك ولا في عقيدته كذلك، وإنما هو (في عقد الأشعري وفقه مالك * وفي طريقة الجند السالك).
وقد تحفظ كثير من العلماء أيضا على مختصر خليل بحجة أنه كتاب لم يلتزم بالراجح وإنما كان مبينا لما به الفتوى، وما به الفتوى محكوم بظروف المفتي وحال المستفتي. ومن هؤلاء العلماء الذين تحفظوا على مختصر خليل: الشيخ سيد المختار الكنتي الذي يقول في أرجوزته المشهورة (.. ونص خليل جاء بالدر والخشب).
ومن هؤلاء العلماء الذين تحفظوا على مختصر خليل وشراحه أيضا: الشيخ بداه بن البصيري، مفتى الديار الشنقيطية وإمامها بلا منازع، حيث صرح أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام ملك، مما يعني أن ما به الفتوى قد يكون خلاف الراجح والأولى، وقد يكون خلاف مذهب مالك حتى.
كما قال بعض مشاهير المشايخ الأعلام، الذين هابوا قول الحق في هذه الأيام، إن خليلا من عند غير الله قطعا، لكثرة ما فيه من عبارات: قولان وتردد وخلاف.. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . وإذا علمنا أن هذه الكتب التي أحرقت، ليست مقدسة قطعا، وليست قرآنا ولا سنة، وأنها مجرد كتب ألفها أشخاص بمحض اجتهادهم, وكتبوها بأيديهم, ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون.
وأن هذه الكتب ألفت في عصر غير عصرنا وفي مصر غير مصرنا، وأن الناس الذين ألفت هذه الكتب فيما به الفتوى عندهم قد تخلصوا منها ورموها خلفهم... صار بإمكاننا أن نناقش حرق هذه الكتب أو دفنها... ومن المعلوم أن المحو والدفن والحرق لا يعتبر إهانة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كتب عني غير القرآن فليمحه، لا تكتبوا عني غير القرآن)).
وقد حدث في تاريخنا الإسلامي نماذج من حرق المؤلفات المذهبية، انتصارا للكتاب والسنة، أو تعصبا لبعض المذاهب المختلفة، ولم يكفر بذلك أحد من أهل القبلة. ومن ذلك ما حدث لكتب أبي محمد بن حزم الأندلسي (ت456ه)، بسبب الخصومة التي كانت بينه و بين فقهاء المالكية الذين أحرقوا كتبه علانية، حتى قال ابن حزم في ذلك: [فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي *** تضّمنه القرطاس بل هو في صدري].
ومن ذلك أيضا ما جرى لكتب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي بأمر من السلطان علي بن يُوسف بن تاشفين, وبفتوى من القاضي عياض . ومن ذلك أيضا ما حدث لكتب الفقه عامة، و كتب الفقه المالكي خاصة، في زمن دولة الموحدين الذين أمروا الناس بالاعتماد على الكتاب والسنة, وترك المذاهب الأربعة, ولا سيما مذهب السادة المالكية.
ولم يكن الحرق مقتصرا على المتعصبين لرأيهم أو المناوئين لغيرهم...بل قد أوصى بعض أهل العلم بحرق كتبهم أو دفنها بعد موتهم رغم ما فيها من الخير الكثير، خشية أن يعتمدَ الناس على غير كتاب الله تعالى. ومن هؤلاء شعبة بن الحجاج الذي يعتبره أهل الحديث على مستوى التنظير في مجال الجرح والتعديل, هو الذي يقول عنه ابنه سعد بن شعبة بن الحجاج: "أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتُبَه، فغسلتُها"؛ قال الحافظ الذهبي في كتابه : سير أعلام النبلاء: "هذا فَعَلَهُ غير واحد، بالغسل، وبالحرق، وبالدفن.
قلت: وإذا علمنا هذا علمنا أن حرق أي كتاب غير كتاب الله تعالى لا يعدو كونه فعلا متأرجحا بين الخطإ والصواب، وليس داخلا في دائرة الكفر والإيمان، بل ربما كان حرق مثل هذه الكتب قربة إلى الله عندما تحول بين الناس وبين كتاب الله.
الشيخ احمد المهدي، فقيه وعالم موريتاني