يتواصل الجدل الصاخب في موريتانيا حول حرق بيرام ولد الداه ولد اعبيدي لكتب دينية امس في مقاطعة الرياض، ووصف يحي ولد احمد الوقف الوزير الاول السابق ورئيس حزب "عادل" عملية حرق كتب المراجع الدينية المقدسة بأنها تصر طائش ومرفوض بكل القيم والأخلاق ولا يخدم اية قضية عادلة مهما كانت بل يسيء عليها.
ودعا ولد احمد الوقف جميع الموريتانيين مهما كانت انتماءاتهم وأعراقهم الي وثبة قوية في وجه مثل هذه الممارسات الدخيلة ومنع عدم تكرارها، مذكرا في اتصال مع "وكالة نواكشوط للانباء" بان الاسلام ظل العامل الاوحد لوحدة الشعب الموريتاني ونبراسه المضيء للتحرر والعدالة والمساواة.
واكد يحي ولد احمد الوقف ان تدنيس مقدسات الاسلام وإحراق مراجعه لا يخدم قضايا التحرر بل يعقدها لان الاسلام هو اول من كرس مبدأ العدالة والمساواة والقضاء علي الرق، الذي قال انه منبوذ في موريتانيا، داعيا الجميع الي القضاء علي مخلفاته من خلال التطبيق الصارم لكافة القوانين والنصوص التي تجرمه ومعاقبة كل من يثبت انه يمارس الرق. وطالب ولد احمد الوقف بخلق ظروف اقتصادية واجتماعية تمكن من تمييز ايجابي يسمح للذين عانوا من الرق ان يصلوا الي مستوي غيرهم من الموريتانيين وابرز ان حزب "عادل" يعمل من اجل ذلك. فيما نشر الكاتب اليساري الموريتاني حنفي ولد دهاه تدوينة على الفيسبوك جاء فيها "الذي يحرق الكتب مهما خالفت رأيه هو إنسان جاهل.. أعلن من هذا المنبر براءتي من بيرام واشياعه".
وكتب الكاتب اليساري ابو العباس ولد ابراهام مقالا تحت عنوان "محرقة الكتب" نفى فيه أن تكون المدرسة المالكية هي التي كرست الاسترقاق في البلاد، واضاف: "إن حرق أو تمزيق الكتب، الصفراء أو الخضراء، هو عمل ظلامي يُذكُر فَيُستَنكرُ. و تاريخيا و أيديولوجيا يُعَدّ حرق الكتب في أفعال الجماعات الأصولية و ليس التنويرية (و قبل أن يبزغ لي أصولي مالئا يديه بعمليات حرق الكتب من منظور قانوني يتعلق بإعدامات الكتب في حقوق النشر و كأنها حجة مناهضة فإنني أقصد هنا الحرق الاحتجاجي للكتب أو الرافض لوجود الأفكار المُخالفة. و يتعلق الأمر بمنظومة كبيرة تبدأ بحرق القرآن إلى تحريم "الآيات الشيطانية". ما أقصده أساسا هو ما سماه صادق جلال العظم بـ"ذهنية التحريم").
و لم يضر الاسلام شيئا أكثر من حرق الكتب لأن عمليات حرق الكتب أقصت الفكر النقدي و تركت الديماغوجيات الأصولية تعشعش في أذهان الشعب لمئات السنين و تقتل الأفق النقدي في ذهنه. و ليس صحيحا أن تيار الاعتزال العظيم انهزم في تاريخ الاسلام بسبب انهزامه سياسيا في عهد المتوكل أو فكريا بسبب التوفيقية الأشعرية أو دينيا بسبب التقليدية الفقهية، الغنوصية بخصوص قضايا القيم المطلقة؛ بل اختفى الاتجاه العقلاني في الاسلام بسبب المجموعات الأصولية التي لاحقت المفكرين و و حرقت كتبهم وقتلهم بنفس الطريقة النازية التي قَتَلَ بها العسكري خالد بن عبد الله القسري المفكر الريادي الجعد بن درهم.
و ليس صحيحا أن عمر بن الخطاب أحرق مكتبة الاسكندرية، كما أثبتت الدراسات الحديثة و النقد التاريخي. و بالتالي فإن أول عملية حرق لمكتبة في تاريخ الإسلام هي حرق الأصولي المتعسكر، السلطان محمود الغزنوي، لمكتبة الري البويهية التي كانت في حينه ثاني أكبر مكتبة في بغداد وكان تحتوي على آلاف الكتب في الاعتزال و المنطق و العلوم الطبيعية و التجريبية، و التي لم تعجب الخليفة القادر بالله و السلطان الغزنوي الذي كان يده الضاربة. و في القرون اللاحقة تم ترك تصفية المعتزلة و الفلسفة للغوغاء الأصوليين الذين كانوا يهاجمون الكتبات و يحرقونها، كما صورهم ابن الأثير، مسترشدين بفتاوي ابن الصلاح الشهرزوري و ابن تيمية".
وعلق الكاتب الصحفي عبد الله ولد اتفاغ المختار على الموضوع بالقول "كم نحن عنصريون وعبوديون وإقطاعيون..بدليل أنه لو فعلها غير بيرام لقامت الدنيا ولم تقعد...ولكنه بيرام..هكذا همس لي أحدهم كم نحن بارجماتيون تائهون ساكتون..نخشى أن نغضب بيراما ولو بشطر كلمة طمعا في دعم شعبية مفترضة له..هذا ما استخلصته من هذه "السكتة" التي يبدو أنها قلبية.
كم أنت زعيم يا بيرام حين يقللون من شأنك لتفادي الرد عليك..ويعظمون من شأنك انتظارا لصولاتك القادمة. لكن هب أنن...ي أنا من أحرق تلك المتون..أكانوا سيصومون عن الرد علي ..؟ الجواب حتما بالنفي..فأنا من بني جلدتهم..لا يتعالون علي..ولا يفترضون لي شعبية يطمعون فيها يوم "الرحيل"..لكنني أتساء فقط..ما جدوى الخطوة التي اقدم عليها صديقي بيرام؟ وهل ستقتل الفقه بل قُل الفكر المالكي إلى غير رجعة؟ وهل غير ما أكلت النيران عبر التاريخ من أمهات الكتب وبنات الأفكار شيئا حتى اليوم..؟ّ! في اعتقادي أننا مطالبون بالإبقاء على النصوص الفقهية والاجتهادات حتى نجد بديلا واجتهادات تجُبها..وإلا فأين ما يَسُدُ الفراغ؟!"
وكتب الشاعر الشيخ ولد بلعمش معلقا على الموضوع "أظن أن مثقفي هذا البلد و متعلميه و عقلائه مقتنعون جميعا ببشاعة الرق و لا يرضونه أبدا ، و ثمة قوانين سُنت لمعاقبة كل من يمارس تلك الجريمة النكراء و لم يبق إلا أن نتكاتف جميعا لتطبيق العدالة بمنتهى الشفافية فيعاقب الجاني و يترك البريئ في كل قضية تعرض .
هكذا إذا أوصل مناضلو حركة *أخوك الحر* قضيتهم و بدأت قطاعات واسعة من المجتمع تتعاطف مع قضية عادلة هي من صميم رسالة ا...لإسلام و الإنسان . الآن نحن أمام تصرف غير مفهوم فقد قام السيد بيرام و جماعته برمي مجموعة من كتب الفقه و حرقها وهي كتب تحتوي على آيات و أحاديث كما هو معلوم. إنني أوجه سؤالا إليه ماذا لو قامت مجموعة في الغرب بحرق كتب تحوي آيات من الإنجيل بهذه الطريقة المسرحية ؟ هل تعتقد أن عدالتهم ستتركها دون حساب ؟ على أية حال و أيا تكن المبررات فقد أسأت إلى القضية العادلة ولا أعتقد أنك قدمت لتلك القضية أكثر مما قدم مسعود و رفاقه الأولون و لربما كان من الممكن أن يجرفهم الظلم الأبشع حينها إلى فعل كهذا فلماذا لم يفعلوا ؟ أتراك أكثر منهم صدقا أو حماسا ؟! ولماذا أقدمت على هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات ؟! أطلب من حكومة موريتانيا الموقرة ألا تتعرض بسوء لبيرام و أنصاره فهي ربة السلم الأهلي و للكتب رب سيحميها نفس الطلب موجه لمجتمعنا المسلم المسالم كما أذكركم بقوله تعالى / يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ/ فالحق الأصيل لشريحة من مجتمعنا في الحرية و المساواة شيء و بيرام شيء آخر
الصحراء