- بثت قناة الموريتانية ليلة السبت الماضية مقابلة مع والي لعصابه السيد محمد الحسن ولد محمد سعد في برنامجها "نافذة على الولايات "
- وقد أثارت تصريحات الوالي في هذه الإطلالة الإعلامية ردود أفعال كثيرة من لدن المواطنين وحتى المسؤولين الجهويين بالولاية،لما ورد فيها من مغالطات وفلتات لسان والتحدث بمعلومات بعيدة كل البعد عن الدقة وعن واقع أحوال الناس هناك وتركيز الوالي على إخراج صورة وردية لأوضاع الولاية وحياة السكان.
- لقد لعب الوالي في هذه المقابلة دور النقيب الذي دافع مستميتا عن حالة المرافق الجهوية وعن واقع التعليم والصحة والمياه والزراعة حيث حرص على أن لا يعطي الكلام لأي من المسؤولين بالمصالح الفنية الذين يخدمون معه رغم أنه جديد على الولاية بحيث لا يمكنه بأي حال أن يلم بكل التفاصيل وأن يكون دارسا محيطا بجميع الملفات.
- وهنا فإنني أورد الملاحظات التالية حول أهم ما جاء في هذه المقابلة المثيرة حقا:
- 1. حول التعليم ذكر الوالي أنه على أحسن ما يرام وتحدث عن المباني ،ذاكرا العلاوات التي يحصل عليها المدرسون.
- وفات عليه أن التلاميذ وذويهم ورابطات الآباء والمراقبين وكذلك المدرسين بولاية لعصابه كلهم مجمعين على أن هذا القطاع في وضع يتحرك حثيثا من الكارثة إلى المأساة، نظرا لغياب الوسائل فعلى سبيل المثال لا تمتلك المفتشيات المقاطعية بلعصابه سيارات للقيام بأبسط المهمات وبسب الواقع المزري الذي يعيشه المدرس ولحالة المباني التي ما زال بعضها أعرشة وأخبية والبعض الآخر يكاد ينهار على رؤوس التلاميذ بما في ذلك أعرق المدارس بمدينة كيفه.
- أما علاوة الخطر التي منحها الوالي للمدرسين فإن ذلك يعني عدم الإطلاع على حالة القطاع والتثبت من المعلومات.
- 2. وفي مجال الصحة قدم الوالي رقما بالنقاط الصحية وقال إن المستشفى قيد البناء هو الأكبر في شمال إفريقيا وأن الطاقم الطبي بمستشفى كيفه من أرقى الطواقم في العالم.
- وهي التوصيفات التي جانبت الحقيقة بشكل فج إلى أبعد الحدود، وعلق عليها الناس بالكثير من التهكم؛ فالنقاط الصحية التي ذكرها لا تغطي الجزء اليسير من القرى والتجمعات بولاية لعصابه وهناك مسافات شاسعة بين تلك النقاط تتجاوز في كثير من الأحيان عشرات الكيلومترات ثم إنه في أحسن الأحوال تتوفر النقطة الصحية على ممرض واحد أعزل من أي أداة أو قطعة قطن وكثيرا ما يعزف القرويون عن زيارته فيعود إلى الإدارة طالبا التحويل ،ويمكن للسيد الوالي أن يزور قرى الحدود الجنوبية ليرى بنفسه مواطناته وهن يلدن على عربات الحمير في طريقهن إلى المراكز الصحية التي تليهم بدولة مالي ليجدن الدواء والرعاية. وبخصوص مستشفى كيفه فإن الجواب جاهز على لسان كل زائر ومريض: إهمال مستشري، وافتقار فاضح للوسائل والمعدات وأطباء في مجملهم محل انتقاد السكان وعدم رضاهم ، وحبذا لو زار الوالي هذا المرفق الهام بعد منتصف النهار طالبا للاستشارة وسوف يكتشف أن الأطباء انصرفوا إلى شأنهم وهم الذين يلزمهم القانون بالبقاء في مكاتبهم من 8صباحا إلى 5مساء،وأما كونهم من طراز عالمي فلا يؤيده انصراف الناس إلى الطب التقليدي وإلى الرقيى والشعوذة والتماس الحلول في العيادات الخاصة.
- صحيح أنه بالتعاون مع الصين يتم الآن بناء مستشفى كبير بمدينة كيفه ، لكن المشكلة لم تكن يوما في القاعات و الدهاليز بل هي في طاقم بشري كاف يضم جميع الاختصاصات يتمتع أفرداه بالمهارات والاستعداد والضمير ومسلحين بالمعدات والتجهيزات الطبية اللازمة وهي أشياء لا يوفرها المبنى مهما بلغ من الاتساع والشموخ. وهنا نأخذ العذر للوالي عله نسي أن المغرب والجزائر وتونس من شمال إفريقيا.
- 3. وفي مجال العطش بدا الوالي غير مكترث بعطش عشرات الآلاف من سكان مدينة كيفه سواء في الأحياء التي حرمت من الشبكة ابتداء أوفي الأحياء التي التحقت بقافلة العطش أخيرا عندما جفت حنفياتها منذ أكثر من سنة وظلت تدفع مقابل "فواتير العطش".
- هذا العطش الذي هجر الأسر وحول حياة المواطنين إلى جحيم ودفعهم إلى شراء مياه آبار قديمة كانت مكبا للجيف والقاذورات بأسعار غالية.
- ومقابل أوجه المعاناة التي يعيشها السكان جراء العطش لا يجد هذا الوالي حرجا في التخفيف مما يثار حوله وكأنه تجول في حي السيف أو النزاهه أو أنتو أو دبي أو العنكار أو التميشه أو المطار وحتى الجديدة والحي الإداري وسأل الأسر مع حالهم مع العطش.
- لقد أعاد مشكلة المياه والكهرباء فقط إلى غياب التخطيط بالمدينة ناسيا أن العطش هذه المرة مس كافة الأحياء بما فيها المنازل التي تجاور مكاتب الوالي، ثم إن مسألة التخطيط هي حجة واهية حيث زودت قصور كبار الضباط والتجار والوجهاء بما يكفي من ماء وكهرباء في غمضة عين مع كونها في أماكن هامشية وعشوائية إلى حد كبير.وهي الحجة أيضا التي لم يسبقه إليها أي مسؤول حتى في شركة المياه الذين يجاهرون بأن عجز الشركة وغياب الإرادة لسقاية المواطنين هما السبب في عطش المدينة .
- لقد تعرض الوالي في هذه المقابلة لعدة نقاط أخرى ذهب فيها في نفس الاتجاه الناعت للأمور وكأنها على ما يرام؛ معتبرا أنه يتحدث لمواطنين أغبياء لا يعون ما حولهم ولا يفهمون في الحياة شيئا ،وهم الذين لا يحملون أدنى مسؤولية للوالي الجديد في آلت إليه أوضاعهم من ضياع قبل أن يتحدث عن حالهم وكأنهم يرفلون في جنات النعيم.
- لقد كانت هذه الإطلالة غير موقفة على الإطلاق ولم تقدم غير فصل جديد من فصول الاستهتار بمصالح المواطنين و الاستخفاف بعقولهم والتفرج على ما يقاسون من مظاهر الفاقة والحرمان، وكان يمكن للسيد الوالي أن يهدي معروفا لمواطنيه بحيث لا يتقول عليهم ولا يقدم صورة عكسية لواقعهم وهم الذين لا يريدون منه غير الصدق معهم ومدركين غاية الإدراك أنه لا يملك سبيلا لمساعدتهم، وإن أعظم ما يقدمه لهم هو أن يحترم مشاعرهم وأن لا تأخذه الشماتة في أرامل ومطلقات فقيرات يبتن ليلهم عند الآبار للحصول على جرعة ماء يطفئن بها عطش أطفالهن المنتحبين.
- إنه يمكنك سيدي الوالي أن تتمسك بكرسيك عبر الدفاع عن أمور تعلم في غرارة نفسك أنها باطلة، ومهما بلغت من البراعة الخطابية فإنك لن تحجب الحقيقة المرة بهذه الولاية المتمثلة في انتشارالجوع والعطش وتردي الخدمات والخوف المطبق من المستقبل.