لست ممن تجمح بهم السلبية إلى التنظير وفق نظرية المؤامرة أو تمضي بهم إلى حد إساءة الظن بالآخرين , ولا تروق لي المزايدة عليهم و لا الطعن في وطنيتهم و نزاهتهم , ومع ذلك أحب أن أحلل الظواهر و أناقشها بمنطقية و أتساءل عن الدوافع حسب المعطيات الظاهرة أمامي , و من ثم أترك الاستنتاج للقارئ حتى لا يتهمني بتحميل الموضوع فوق ما يحتمل أو العمل على الإساءة إلى عمرو أو الوقوف في صف زيد . إن مصائب أهل هذه المدينة (الوديعة المسالمة المستسلمة لقدرها المكتفية باليسير) كثيرة و خطيرة, لكن مصيبتها مع العطش هي الأكثر إزعاجا و الأشد إلحاحا هذه الأيام ,فمن المستفيد من عطش أهل كيفة ؟
قد تكون الإجابة المنطقية عن هذا السؤال ألا أحد يمكن أن يستفيد من عطش سكان هذه المدينة إلا إذا كان يحتكر الاستثمار في سقايتها متأسيا بضجر حفار القبور الذي يمتعض كل يوم لم تزف إليه فيه جنازة ليواريها التراب , بعبارة أخرى , إن من يسعى إلى جمع المال من فرق السعر في البرميل ما بين المصدر و وجهة البيع دون مراعاة الجوانب الإنسانية إن من يمتهن هذا السلوك يمكن أن يكون أول المستفيدين من استفحال العطش و تفاقمه ما دام هو المتصرف في خزان المياه(إن كان ثمة خزان للمياه أصلا) و أي زيادة في العرض على الطلب ستؤدي إلى تراجع السعر و هذا ما لا يريده المحتكرون. و لعل السؤال المطروح الآن ما هي الجهة أو الجهات التي تزود المدينة بالمياه ؟
من المعروف أن مدينة كيفة ظلت إلى وقت قريب تعتمد على الآبار التقليدية في توفير المياه و بطرق بدائية جدا إلى أن تم تدشين شبكة المياه في أواخر حكم ولد الطايع و رغم تدشين هذه الشبكة فإن مشكلة المياه لم تحل إلا جزئيا حيث بقيت جوانب كبيرة من المدينة لم تطلها هذه الشبكة و حتى المناطق التي طالتها فإنها لم تستفد من تدفق المياه بشكل دائم نظرا لتقطعها المستمر و خضوعها لنظام التناوب في توفير المياه على الأحياء المختلفة لمدينة مترامية الأطراف تعد ثاني أكبر المدن من حيث الكثافة السكانية . إن هذا المشروع الذي تم إنجازه لصالح الشركة الوطنية للمياه و الكهرباء في تلك الفترة و بتمويل ياباني لم يكن ليحل أزمة المياه بشكل نهائي و بحسب السلطات - حينها- فإن كمية المياه المتوفرة لن تتجاوز تاريخ 2015م و أن الدولة الموريتانية عاقدة العزم على البحث عن مصادر مياه في مناطق أخرى تمكن من سقاية المدينة لفترات أخرى.
أما و قد وصلنا إلى التاريخ المحدد سلفا لافتراض نفاد الكمية المتوفرة و رغم الوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية على نفسه بحل أزمة المياه بشكل نهائي, فإن المدينة تعيش مشكلة صعبة لا تحتمل التأجيل.إن الواقع الآن يتميز بما يلي:الشركة الوطنية للمياه هي وحدها صاحبة الحق في توفير المياه للمواطنين لكن يبدو أنها لسبب ما تنازلت عن هذا الحق منذ فترة لتجار يملكون صهاريج تتم تعبئتها من آبار الشركة(ليست بالمجان طبعا) لتوزعها على المواطنين بأسعار مرتفعة هذا في الوقت الذي تمتلك فيه الشركة صهريجا واحد تتولى من خلاله توزيع المياه بأسعار معقولة نسبيا إلا أن كثرة الطلب عليه وتعطله المتكرر جعل الفائدة المرجوة منه محدودة جدا إن لم نقل معدومة.ربما تكون البلدية الحالية قد استفادت من تجارب البلديات السابقة التي لم تلعب دورا في توفير المياه للمواطنين و بحساب الفائدة طبعا فدخلت في تفاهم مع الشركة الوطنية للمياه و اقتنت عدة صهاريج مختلفة الأحجام استحوذت على آبار الشركة بشكل شبه تام وباشرت بيع المياه بأسعار أقل ما يقال عنها إنها لا تغفل جانب الربح في الموضوع.
إن الحديث المتزايد عن مشكلة العطش و جديته ربما حدا بالسلطات إلى الاستنجاد بخيرين أتراك باشروا مؤخرا حفر آبار بحجة المساعدة في تعزيز الطاقة الاستيعابية لشبكة المياه شبه المعطلة منذ بعض الوقت ,لكن الشيء غير المتوقع هو ما تم تداوله من مصادر صحفية بأن هذه الآبار سوف تخضع لمناقصة بموجبها تسند إلى خواص يتولون استغلالها و بيع مياهها للموطنين,إن صح هذا الخبر فسوف يطرح أكثر من سؤال.