عادت السخونة للخطوط الأمامية للمشهد السياسي الموريتاني أمس بعد فترة هدوء حيث قررت المعارضة في اجتماع بين قيادتها ومناضليها وأطرها، تجميع قواها واستئناف نشاطها السياسي المعارض بصورة أوسع
وجاء هذا الموقف تابعا لرفض منتدى المعارضة دعوة للحوار الشامل وجهها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز الأسبوع الماضي وأكد أن دافعها هو حرصه على «مشاركة الجميع في البناء الوطني».
واعتبرت المعارضة «أن دعوة الرئيس للحوار دعوة غير جادة، وأنها مجرد فصل جديد – قديم من فصول استهزاء الرئيس واستخفافه بالشعب الموريتاني». وأكدت المعارضة «أنها كانت ولا زالت حريصة على الحوار كنهج لحل المشكلات السياسية، لكنه الحوار الجاد، الذي يعطي لكل ذي حق حقه، بعيدا عن احتكار وسائل الدولة لصالح طرف.. حوار يقضي على التزوير والتلاعب بالنتائج».
وقد أثار هذا الموقف الذي أكد عدم ثقة المعارضة في التعاطي مع الرئيس، غضب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم فانتقد في بيان وزعه أمس مواقف المعارضة من العرض الذي قدمه الرئيس.
وأكد الحزب الحاكم «أن رد أحزاب “المنتدى” على تجديد الدعوة للحوار من أجل المصالح العليا للوطن، من طرف الرئيس المؤسس للحزب فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبدالعزيز، برهن على غياب الجدية في التعاطي مع الشأن العام، والهروب إلى الأمام فزعا من الممارسة العلنية والشفافة للفعل السياسي، وتقاعسا عن واجب إثراء وترسيخ السلوك الديمقراطي، وتملصا من المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه الموريتانيين».
«إنه مجرد محاولة لتكريس الهبوط، يضيف الحزب الحاكم، بمحاولات شخصنة المشهد السياسي، والهرولة خلف واقع افتعال الفرقعات الإعلامية، والسقوط بمستوى الخطاب السياسي، وغياب المواقف الواضحة، واللجوء إلى أساليب «المناشير» المتجاوزة بفعل إرادة الشعب الموريتاني وخياراته التاريخية والإستراتيجية المعتمدة على الديمقراطية كمنهج في الحكم والحوار، ووسيلة لإثرائه، هذه الخيارات والمبادئ التي يجسدها بوضوح، أقنع الشعب وبهر الشركاء، انتظام حياة المؤسسات والممارسة اليومية للحريات الفردية والجماعية في بلادنا خدمة لتنمية تجاوزت في وتيرتها ونتائجها جعجعة المتخلفين عن الركب الديمقراطي الوطني المسؤول».
وأكد الحزب الحاكم «أن الهزائم الانتخابية النظيفة التي أتت على سراب شعبية أحزاب عاجزة عن مرافقة الشعب الموريتاني في طموحه من أجل الوطن، تستدعي من هذه الثلة من الأحزاب السياسية إعادة النظر في معاييرها التقييمية للواقع الديمقراطي والمسيرة المظفرة للمجتمع والدولة منذ تجاوز عهود الديكتاتورية والشروع في إرساء دولة الحق والمساواة.» وأكد حزب الاتحاد من اجل الجمهورية في بيانه «انه يسجل بارتياح استمرارية خيار الحوار الهادف والبناء لدى رئيسه المؤسس فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبدالعزيز، ويعلن عن وضع هياكله القاعدية والقيادية في حالة تعبئة دائمة لمرافقة كل القوى السياسية الوطنية الجادة نحو السير في طريق خيار الحوار الجاد والصادق من أجل المصلحة العليا للأمة الموريتانية».
ويأتي هذا التراشق لينسف آمالا كانت قد نشأت الأسبوع الماضي عن دعوة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز الجميع للحوار، وهي الدعوة التي اعتبرها الجميع بداية لعهد من التصالح والتعاطي السليم.
غير أن منتدى المعارضة لا يمكن أن يغفر للرئيس الموريتاني تنظيمه لانتخابات برلمانية وبلدية ورئاسية بدون مشاركته، فهو يعتبر أن «الرئيس لم يدع للحوار إلا بعد أن أقام عبر انتخابات أحادية، مؤسسات ذات لون واحد، وأن أي حوار معه يجب أن يتأسس على نسف هذه المؤسسات واستئناف الانتخابات بصورة شفافة تضمن انبثاق مؤسسات تعبر بجد عن خيارات الشعب».
وتناولت وسائل الإعلام الموريتانية الخاصة مسألة الحوار من مناظير مختلفة حيث أعربت صحيفة «لوكلام» أكبر الصحف المستقلة في موريتانيا «عن أملها في أن يكون العام الجديد عام مصالحة بين النظام والمعارضة بحيث يتنزل نظام الرئيس ولد عبدالعزيز للواقع وتتجاوب المعارضة مع يد الحوار إذا مدها النظام».
ودعت صحيفة «تقدمي» ذات الخط التحريري المعارض في افتتاحيتها منتدى المعارضة «للاحتراس من الرئيس إن قدر للحوار أن يبدأ».
وأضافت الصحيفة منتقدة الرئيس ولد عبدالعزيز «.. هذا الرجل الذي لا يعرف الوفاء بالتزاماته (…)، هو من يبكي اليوم على أطلال الديمقراطية، التي سينسفها عدم الحوار مع المعارضة.. فالمعارضة أصبحت، أخيرا، في رأي ولد عبدالعزيز، ضرورة لتحقيق ديمقراطية تعددية».
«على المعارضة التي تعودت أن تقع في كل الشراك والحبائل التي ينصبها لها النظام الإنقلابي، تضيف الصحيفة، أن تتوخى التوأدة والحذر في تعاملها معه.. فالرجل الذي تعود أن يتمسكن حتى يتمكن.. وأن يقبل اليد التي لا يستطيع قطعها إلى أن يشحذ لها شفرته.. هو رجل بالغ الخطورة.. أشبه بثعبان “كوبرا” ذي سبعة رؤوس.. فاحترسوا..!».