قد شهدت جميع الأحداث التي عرفتها موريتانيا، والحمد لله، منذ حصولها على الاستقلال إلى يومنا هذا.
بخصوص الرئيس الراحل، المرحوم المصطفى ولد محمد السالك، يمكنني القول إنه منذ تخرج أول دفعة من ضباط الجيش الوطني؛ غداة استقلال البلاد، والتي كانت تضم إلى جانبه كلا من الشيخ ولد بيده، ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وآخرين؛ نشأت بيني وبين المصطفى صداقة بالمعنى الحميمي للكلمة.
تعرفت عليه خلال عشاء دعانا إليه المرحوم اسويدات ولد وداد الذي كان صديقا لكلينا، في نفس الوقت.
ربطتني به علاقة صداقة، قوامها الاحترام، والتقدير المتبادل. أنا أعرف المصطفى، إذن، منذ سنة 1963.. ومنذ ذلك التاريخ لم تفتأ روابطنا تتعمق وتتوطد، لدرجة أن صداقتنا بلغت مرحلة عدم التحفظ.
في الحقيقة عندما أروي كل ما أعرفه فيه من خصال حميدة، سينتهي بي المطاف إلى تأليف كتاب كامل! كان رجلا كتوما، نزيها، عادلا، حكيما، كريما، خلوقا، شجاعا، صادقا، ورعا.. لم يكن يتكلم كثيرا، وكان يزن كل كلمة وكل عبارة قبل أن يتفوه بها...
كنا نعيش جارين، وكنا نلتقي كل الوقت تقريبا. وقد ظهرت شجاعته وحكمته خلال حرب الصحراء، كضابط سام وكقائد لأركان الجيش الوطني.
لقد نجح في إخراج موريتانيا من الحرب التي خربت اقتصادها، وأفقدتها العديد من خيرة ضباطها وجنودها.. فلم تكن موازين القوة في صالحها، لأنها كانت تواجه خصما أحسن تجهيزا وأكثر عتادا، ويحظى بدعم العديد من القوى الأجنبية.
لقد خطط وقاد انقلاب 10 يوليو 1978 بكل حكمة؛ وأثبت وطنيته ونزاهته. لقد قدم تضحيات جساما في سبيل إنقاذ وطنه، خاصة وأنه بدا، على الدوام، زاهدا في السلطة؛ بل كان حريصا على إرجاعها للمدنيين عند أول فرصة، أي فور استعادة البلد للسلام والاستقرار. 2. رجل قنوع
عندما تم الإفراج عن المصطفى ولد محمد السالك، سنة 1984، غداة وصول معاوية ولد سيدي أحمد الطايع إلى السلطة؛ ذهبت لزيارته والاطمئنان عليه في ى آمرجل قرب مدىنة كيفة؛ وهناك وجدته وقد أصيب بهزال شديد، حيث فقد حوالي 30 إلى 40% من جسمه. أمضيت هناك ليلتين؛ وقد كان مسكنه ملاصقا لمسجد ومحظرة؛ وطيلة مقامي عنده، كنت أستيقظ فجرا عند الأذان فأجد المصطفى وقد سبق الجميع إلى المسجد، يصلي بعض النوافل ويتلوا سورا، ولا يتوقف عن التضرع إلى الله.
أذكر أنه بعد اعتقال المصطفى، سنة 1982، عمدت بعض الأوساط المقربة من دوائر السلطة، آنذاك، إلى إقناع السلطات العليا في البلد بمصادرة منزله؛ وهو منزل متواضع كان هذا الأخير قد شيده بفضل قرض حصل عليه إثر قرار من الرئيس المختار ولد داداه يقضي بمنح قروض مصرفية لصالح الوزراء والضباط السامين في القوات المسلحة من أجل تمكينهم من الحصول على مساكن.
وخلال زيارة تفقد إلى أسرة صديقي المصطفى ولد محمد السالك، التقيت بالسيدة اليخير (حرمه)، فأبلغتني بالخبر، قائلة: "يريدون أخذ منزلنا!".
توجهت، مباشرة، إلى اندياغا ديينغ؛ الذي كان يومها قائدا مساعدا لأركان الدرك الوطني، وطلبت منه أن يفعل كل ما يمكن لمنع طرد أطفال العقيد المصطفى ولد محمد السالك وأمهم من منزلهم..
رد علي قائلا: "نحن العسكريون، لا يمكن أن نسمح أبدا بأن يعامل قادتنا بطريقة مهينة، والمصطفى ولد محمد السالك كان أكثر من ضابط.. لقد كان قائدا للأركان الوطنية، ثم رئيسا للدولة..قل لعائلته أن تبقى مطمئنة في منزلها".
هذا الموقف من طرف اندياغا ديينغ، سيظل محفورا في ذاكرتي ما حييت، وسأظل أعترف له بهذا الجميل.
من النادر أن نرى أحد القادة السامين في القوات المسلحة عندنا لا يجمع الثروة خلال مزاولته مسؤولياته. ونادرون من هؤلاء من لم يشيدوا ثروات طائلة: قطعان من الماشية، واحات، أملاك عقارية، إلخ. وقد كان المصطفى، دون شك، بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، إن صح التعبير.