تُناقش الحكومة الموريتانية اليوم نظام التأمين الصحي وإصلاح التشريعات المتعلقة بالصندوق الوطني للتأمين الصحي ( كنام ).
ورغم أن المعلومات عن مسودة هذا الاصلاح شحيحة جدا، إلا أن الأسباب التي حدت بالحكومة إلى اصلاح هذا القطاع تبدو واضحة وجلية فالمبالغ الخيالية التي يقتطعها الصندوق من رواتب زبنائه قبل وصولها إليهم، والتعويضات العجيبة التي يتكرم بها على بعض زبنائه كلها مبررات لهذا الاصلاح.
ولأن الباحث هنا أستاذ لمادة التأمين التقليدي والإسلامي في المؤسسات التعليمية الجامعية في بلادنا فإنني أقدم نصيحتي واستشارتي المجانية _عسى الله تعالى _ أن ينفع بها وأن يحفظ بها مجتمعنا من كل مرض ومن كل سوء.
يخبرنا الله تعالى أن الأمن والأمان بإلايمان وترك الظلم قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)(82) سورة الانعام.
ولأهمية الموضوع فإن نصيحتي للحكومة واللجنة المشرفة على هذا الإصلاح أن تراعي الأمرين الآتيين:
الأمر الأول: هو ترك مزيد من الوقت لجمع أكبر كم من العلماء والخبراء المتخصصين في التأمين الصحي التقليدي والتأمين الصحي الإسلامي لوضع الخطوط العريضة لذلك الإصلاح، ولو تعلق الأمر باستقدام بعض الخبراء من الخارج.
الأمر الثاني: مراعاة الضوابط الشرعية في التأمين الصحي، ومنها: العمل على وضع تشريعات إسلامية تجعل الغرر يسيراً مُغتفراً مع توافر الحاجة التي تُنَزَّل منزلة الضرورة لتعلق ذلك بحفظ النفس والعقل والنسل وهي من الضروريات التي جاءت الشريعة بصيانتها.
ومن تلك الضوابط التي تجعل الغرر يسيراً:
1ـ إيداع أرصدة حملة وثائق وبوليصات وبطاقات التأمين الصحي في حسابات بنوك إسلامية صِرفة منعاً من إيداعها في بنوك ربوية يستحق صاحبها اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى كما ورد في حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ رواه مسلم.
2ـ أن يكون التعامل مع المستشفيات مباشرة أو مع شركات تأمين إسلامية تصدر منتجات تأمين صحي، ويحرم التعامل مع بنوك أو شركات تأمين تجاري.
3ـ أن يكون مبلغ الخصم من راتب الموظف مناسبا وأن يكون التعويض مجزيا ومناسبا للأموال التي دفعها حامل الوثيقة.
4ـ أن يُؤسس التأمين الصحي في الصندوق الوطني للتأمين الصحي على أساس التبرع وليس على أساس المعاوضة.
ولمزيد من التوضيح نلجأ إلى قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التأمين الصحي الذي يعتبر حكما شرعيا مُلزِماً ويعتبر اجتهاداً جماعياً وفتوى جماعية مقدمة على الفتوى الفردية كما أفتى به أساتذتنا الأجلاء حفظهم الله تعالى كالشيخ الدكتور علي السالوس، والشيخ الدكتور علي القره داغي من خبراء مجمع الفقه الاسلامي ومن أعلام الاقتصاد والتأمين الإسلامي المعاصر.
ـ قرار رقم: 149 (7/16) بشأن التأمين الصحي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي (دولة الإمارات العربية المتحدة) 30 صفر - 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 - 14 نيسان (إبريل) 2005م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع التأمين الصحي، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
1. تعريف التأمين الصحي:
عقد التأمين الصحي: اتفاقٌ يلتزم بموجبه شخص أو مؤسسة تتعهد برعايته بدفع مبلغ محدد أو عدد من الأقساط لجهة معينة على أن تلتزم تلك الجهة بتغطية العلاج أو تغطية تكاليفه خلال مدة معينة.
2. أساليب التأمين الصحي: التأمين الصحي إما أن يتم عن طريق مؤسسة علاجية، أو عن طريق شركة تأمين تقوم بدور الوسيط بين المستأمن وبين المؤسسة العلاجية. 3. حكم التأمين الصحي: أ - إذا كان التأمين الصحي مُباشراً مع المُؤسسة العلاجية فإنه جائز شرعاً بالضوابط التي تجعل الغرر يسيراً مُغتفراً مع توافر الحاجة التي تُنزل منزلة الضرورة لتعلق ذلك بحفظ النفس والعقل والنسل وهي من الضروريات التي جاءت الشريعة بصيانتها. ومن الضوابط المشار إليها:
• وضع مواصفات دقيقة تُحدد التزامات كل من الطرفين.
• دراسة الحالة الصحية للمستأمن والاحتمالات التي يمكن التعرض لها.
• أن تكون المطالبات المالية من المؤسسة العلاجية إلى الجهة مرتبطة بالأعمال التي تم تقديمها وليس بمبالغ افتراضية كما يقع في شركات التأمين التجارية.
ب - إذا كان التأمين الصحي عن طريق شركة تأمين إسلامي (تعاوني أو تكافلي) تزاول نشاطها وفق الضوابط الشرعية التي أقرها المجمع في قراره رقم 9(9/2) بشأن التأمين وإعادة التأمين، فهو جائز.
ج- إذا كان التأمين الصحي عن طريق شركة تأمين تجاري فهو غير جائز، كما نص على ذلك قرار المجمع المشار إليه أعلاه.
. الإشراف والرقابة:
على الجهات المختصة القيام بالإشراف والرقابة على عمليات التأمين الصحي بما يحقق العدالة ويرفع الغبن والاستغلال وحماية المستأمنين.
التوصيات:
يوصي مجلس المجمع بما يلي:
1. دعوة الحكومات الإسلامية والجمعيات الخيرية ومؤسسات الأوقاف إلى توفير التأمين الصحي مجاناً أو بمقابل مناسب لغير القادرين على الحصول على التأمين من القطاع الخاص.
2. عدم استخدام البطاقات الصحية إلا من أصحابها لما في ذلك من مخالفة لمقتضيات العقود، وما تتضمنه من غش وتدليس. 3. التحذير من إساءة استخدام التأمين الصحي كادِّعاءِ المَرض أو كِتمانه أو تَقديم بيانات مُخالفة للواقع. 4. إدراج موضوع التأمين التعاوني (الإسلامي أو التكافلي) في دورات المجمع القادمة في ضوء ما توصلت إليه المؤتمرات والندوات الأخيرة والتطبيقات المتنوعة التي ظهرت بعد إصدار المجمع قراره السابق. والله تعالى أعلم.