في إضافة نادرة للمكتبة الموريتانية، وتحديدا في جانب المذكرات السياسية، يكشف الوالي والوزير والسفير السابق يحيى ولد منكوس، جانبا مهما من الحياة السياسية والإدارية في موريتانيا خلال الفترات التي عمل فيها هذا الإداري المدني المخضرم.
في مذكراته الصادرة باللغتين العربية والفرنسية بشكل متزامن عن منشورات lignes-de-reperes في العاصمة الفرنسية باريس، يقدم أول وزير للوظيفة العمومية ملخصا لمسيرته الشخصية والمهنية والسياسية، تحت عنوان "مسار حافل بالتقلبات .. سيرة إداري مدني موريتاني".
ويعد يحيى ولد منكوس (84 عاما) واحدا من أبرز الإداريين والسياسيين الذين ظهروا مع البدايات الأولى للاستقلال، وانتقل بين العديد من الوظائف الحكومية والمسؤوليات الحزبية، وأنهى مساره السياسي نائبا عن مدينة كيفه عاصمة ولاية لعصابه.
في مذكراته؛ يقدم صورة مقربة لحياته ومن ثم للأجواء التي عمل بها على مدى عقود، بدءًا من حياة الطفولة التي يقول عنها زميله الوزير أحمد ولد سيدي بابه في تقديمه للكتاب (بتصرف) إنه "الفتي البدوي اليتيم الذي ترعرع في ظل الإدارة الاستعمارية الفرنسية أيام الحرب العالمية 1939 ــ 1945، والذي لا نكاد نجد ما يؤهله - لأن يتابع دراساته الابتدائية والثانوية ثم العالية بعد ذلك؛ وبالأحرى أن يخوض كفاحه من أجل استقلال بلاده ثم يتقلد المناصب السامية التي شغلها في الدولة".
تراوح تاريخ ولد منكوس بين بدايات الشباب وصولا إلى دوره مناضلا من أجل الاستقلال، حيث أصبح عضوا في المكتب التنفيذي لحركة النهضة عام 1958، قبل أن ينضم مع رفاقه إلى حزب الشعب بعد "الطاولة المستديرة" والتي أعقبها "مؤتمر الوحدة " يوم 25 ديسمبر عام 1961.
بعدها أصبح وزيرا وعضوا في المكتب التنفيذي لحزب الشعب، فسفيرا في باريس، في جو مليء بالاحتكاكات السياسية والخلافات، وأيضا الاجتماع على هدف واحد : وحدة موريتانيا واستكمال استقلالها. ولاحقا أحيل إلى وزارة الداخلية، وتولى إدارة الأمن في حقبة استثنائية كان لها ما بعدها. وصولا إلى سنوات الحزب الجمهوري، وأخيرا حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية (عادل) أيام الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
وفي كافة مناحي مساره، تبدو الأحداث مثيرة ومشوقة في سردها، وتوضح وجهة نظر صاحبها الذي ظل منذ نعومة أظافره متشبثا بنزعته السياسية الخاصة.
يقول أحمد ولد سيدي بابه في تقديمه إن كتاب "مسار حافل بالتقلبات" هو "قصة وفاء رجل حر لمبادئه وأفكاره، رجل عرف بحنكة كيف يوفق بين الأصالة و العصرنة طيلة رحلة تخللها العديد من الصعوبات كان لا بد - ورغم العناء - من التغلب عليها".
ويضيف "هذا الكتاب يشكل أيضا شهادة على العصر ومذكرة موجهة إلى الأجيال الشابة، كما أنه عبارة عن نظرة تأمل سياسية حول مستقبل موريتانيا إذا هي عرفت كيف تتحمل مسؤولياتها وتستوعب مسلكيات الديمقراطية التعددية حتى يتسنى لها - أخيراً- أن تتخلص من وطأة الاستغلال".