يعتبر القضاء الركيزة الأساسية للدولة، التي يقوم بها عليها وبدون إصلاحها يظل كل شيء دون المستوى، لأن "الدولة تقوم على الكفر ولا تقوم على الظلم"، كما أن وجود قضاء مستقل يشجع المستثمرين الأجانب على الإستثمار في الدول. إلا أن بلادنا يعيش فيها القضاء وضعية خاصة، فهو بحاجة لاستيراتيجية واضحة المعالم، بعيدا عن المحاباة وصراع اللوبيات والتخندقات القبلية والجهوية. فرغم إعلان النظام الحالي، أن فساد القضاء ناتج عن تراكمات، فإن الكثير من المراقبين يتساءل عن الجديد، الذي أضيف للقضاء في عهده، خصوصا خلال الأشهر الماضية. فقد أسندت إدارته لغير مختص ولا يمتلك من التجربة إلا العمل في شركة تأمين أو عضوية سابقة في اللجنة المستقلة للإنتخابات. وإذا كان النظام يبحث من خلال التعيينات عن توازنات من أي نوع، فكان عليه تعميق البحث، ليجد ضالته. فالقضاء اليوم يعيش فوضى وزبونية وارتجالية في الأحكام والقرارات، ولعل خير شاهد على ذلك، هو أنه خلال الدورة قبل الماضية للمجلس الأعلى للقضاء، تم فصل مجموعة من القضاء بوصفها غير قادرة على مواكبة الإصلاح وأعيدت للوزارة، ليتقرر في الدورة الموالية إعادتهم للعمل، بل إن البعض منهم عاد لنفس الوظيفة التي فصل منها، خصوصا وأنه معروف بعدم الإستقامة وبتعاطي الرشوة. والأشد غرابة أنه خلال الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء، تمت تنحية قاضي تحقيق، بمجرد توجيهه استدعاء لمحافظ البنك المركزي سيد أحمد ولد الرايس، لأن له روابط أسرية مع وزير العدل عابدين ولد الخير والمفتش العام للقضاء محمد عبد الرحمن ولد عبدي ووكيل الجمهورية في نواكشوط الشيخ ولد بابه أحمد، هذا الثالوث بالإضافة لمحامي شريك لوزير العدل يدعى محمد ولد سيدي أحمد هو الذي يدير القضاء بطريقته الخاصة، وأصبح القضاة يتنافسون لكسب وده. ومن بين القضايا التي يواجهها القضاء حاليا، محاولة وزارة العدل تشكيل نقابات في الداخل للمحامين، الشيء الذي ستكون له انعكاسات سلبية، كما أن هناك محاولة لتوحيد التقدمات للقضاة، وهناك فضيحة "الموثقين"، والذين جرت عملية انتقائهم بطريقة غير شفافة، بل تمت خارج الإطار القانوني المنصوص عليه، وتم اختيار أشخاص لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، كأحمدو ولد المصطفى ولد السنهوري والذي هو موثق وأعاد المشاركة في المسابقة، والوزير السابق اجه ولد حمادي، والذي لا تتوفر فيه المواصفات واسلامه ولد عبد الله، الذي هو عدل منفذ ولا تسمح له فترة عمله بالمشاركة في المسابقة، كما أن لجنة الإنتقاء تغيب عضو منها، مما يعني أن قرارها باطل، لأن القانون يلزم حضور جميع أعضائها، كما لم تمنح مجموعة "المساعدين المحلفين" الأولوية في المشاركة، فلم يشارك منهم سوى واحد.
هذا غيض من فيض من التجاوزات الخطيرة داخل القضاء، والتي تحتاج تدخلا عاجلا من أجل حلها، قبل أن يبلغ السيل الزبى. ولا أعتقد أن هناك أي سبيل لإصلاح القضاء، ما لم يرحل الوزير نفسه، لأنه العقبة الكأداء في وجه الإصلاح، من خلال المعطيات الآنفة الذكر.
ألا هل بلغت اللهم فأشهد.
محمد ولد سيدي الحسين/ الرأي المستنير