تطرح قضية تدني الخدمة الصحية العمومية مسالة انعدام الرقابة الإدارية وفرط المنظومة الأخلاقية وخفوت الوازع المهني لدى بعض مزاولي مهنة التطبيب كعوامل أساسية وراء هذا التدهور الذي لا يقتصر على القطاع الصحي فحسب بل – كما يرى البعض- هناك عدوى شبه عامة بفيروس الإهمال ارتبطت منذ بعض الوقت بالخدمة العمومية وإحالتها إلى عمل روتيني ونشاط خدمي يرى فيه البعض الوجه الأخر للمصلحة الخاصة.
ورغم أن هذه الخدمة تشكل أولوية لدى المواطن ’ إلا أن الليبرالية التي شهدها القطاع في بلادنا أدت إلى فوضوية غير مسبوقة والى تدني مستوى العلاجات والخدمات الطبية على صعيد القطاع العام وفوضوية ملحوظة على مستوى العيادات الخصوصية التي تحولت إلى مجرد مؤسسات للتحصيل والثراء على حساب المرضى وذويهم ’وعلى حساب خزينة الدولة التي أصبحت محرومة من الاستفادة من أموال طائلة تذهب كلها الى جيوب أصحاب هذه العيادات ’في ظل فساد حول جل مستشفيات البلد العمومية الى محطات عبور نحو العالم الآخر...
ولم يعد مركز استطباب كيفة سوى أحد هذه المستشفيات حيث يرتاب المرء أمام ظاهرة التستر والمدارة على جوانب النقص في الخدمة الصحية العمومية في هذا المستشفى ويحار في إلقاء المسؤولية على جهة بعينها نظرا لغياب تراتب إداري واضح وتوزيع لا لبس فيه للمهام والمسؤوليات بل على العكس يلاحظ إهمال الأطباء وغياب القواعد الأساسية والمقومات الأولية للخدمة الصحية الضرورية فضلا عن تجرد الكثير من حملة رسالة الطب الشريفة عن مسؤولياتهم المهنية والأخلاقية اتجاه المرضى واتجاه وطنهم .
ففي هذا المستشفى نزح أهم الأطباء إلى العاصمة للبحث عن دخل أهم في حين تفرغ المتبقي منهم لعياداته الخاصة تاركين المستشفى للممرضين والمتدربين من تلاميذ مدرسة الصحة العمومية عبثا بحياة المواطن الذي أصبح سلعة أو بضاعة يتم تسويقها في غياب أية نظرة رحمة أو كلمة تخفف من معاناته.
وأخيرا يأتي ارتفاع تكاليف المعاينة والفحوص ليشكل فصلا آخر من فصول تلك المأساة بعدما أصبحت هذه الرسوم تحصل بداع وبغير داع ’ بدء ببطاقة العلاج التي تصل 500 اوقية والتي غدت غرامة ادارية اكثر منها رسما مخفضا للعلاج منتهزين صعوبة الحالة الصحية للمريض وذويه ليفرضوا عليهم إتاوات مقابل كل خروج و دخول وإلا عانوا الأمرين مع أطقم الحراسة والأمن الذين يمارسان التمييز عند الباب الأمامي للمستشفى في حين يمارس الأطباء كل أشكال المحسوبية والمحاباة عبر الباب الخلفي سواء على مستوى المعاينة والفحوصات وتصعب الحالة إذا ما تطلب المريض حجزا أو عملية جراحية زيادة على غلاء أسعار الأدوية حيث ترتفع الفاتورة على ضعاف المواطنين .
مما يطرح السؤال التالي:
ما الهدف من إنشاء المستشفى بعدما لم يعد بمقدور الضعفاء من المواطنين النفاذ إلى خدمته بينما يعرض عنه الأغنياء مولين وجوههم شطر العيادات الخاصة أو الاستشفاء في الخارج ’كما يرى البعض بان كل الخدمات في المستشفى أصبحت للبيع .
ولا يقتصر الأمر إلى هذا الحد بل يتجاوز ذلك إلى حد تحويل المؤسسات الاستشفائية التابعة للدولة – والتي تمتص الملايين من الميزانية الوطنية لقطاع الصحة- إلى مجرد أجنحة فرعية لتلك العيادات التجارية ’يستغلها أصحابها في فحص وعلاج مرضاهم .
فمعظم الذين يأتون إلى العيادات الخاصة يجدون أنفسهم في اليوم الموالي داخل أروقة المستشفى العمومي حيث يخضعهم الأطباء للفحص والعلاج هناك ’ بعد أن دفعوا لهم ثمن المعاينة في المصحات الخصوصية.
وهنا استطيع أن أجمل القول بأن مركز ا ستطباب كيفة لم يعد مستشفى للعلاج والتداوي أكثر مما هو عنوان لأصحاب المصحات الخاصة يجتمعون فيه لجمع رسوم وإتاوات على المرضى وليتقاسموهم بعد ذلك لتوجيههم إلى عياداتهم الخاصة لأخذ ما تبقى عندهم من نقود. ويجمع مرتادي المستشفى على سوء المعاملة وعدم التجاوب معهم مهما كانت حالتهم أو حاجتهم و أن من لا يعرف أحد الأطباء وليست بحوزته نقود عليه أن لا يتوجه إلى هذا المستشفى.
أية خدمة عمومية هذه ؟