بالرغم أن الأمر يؤسف له فإنه مما لا جدال فيه أن موريتانيا، كما هو حال معظم المستعمرات الفرنسية، كانت وقت استقلالها بلدا رسمت حدوده بطريقة اصطناعية لا تتناسب في الواقع مع حقائقه التاريخية والاجتماعية.
وقد استمرت فرنسا في السيطرة على هذا البلد بصفة رسمية وبصفة غير رسمية من خلال عدد من "الإداريين-المستشارين" الفرنسيين وعبر اتفاقيات الدفاع و بواسطة عملتها (الفرنك الإفريقي) وسيطرة شركة ميفرما علي مناجم الحديد. ولم يكن حضور سيدة أولى فرنسية هي السيدة ماري تريز جودفروي (مريم داداه) إلي جانب الرئيس الشاب الذي تلقى تكوينه في فرنسا ليؤثر سلبا على هذا النفوذ. وكان وقتها المغرب بقيادة الحسن الثاني يطالب بأعلى صوته بموريتانيا معتبرا إياها جزءا لا يتجزؤ من الأراضي المغربية ولم يعترف باستقلال موريتانيا إلا شهر سبتمبر 1969. وبعد فترة كان دور جبهة البوليساريو و الجزائر اللذان تحالفا ضد هذا البلد وهاجماه خصوصا أنه كان يمثل بكل موضوعية الحلقة الضعيفة في نزاع الصحراء الغربية.
وخلال السنوات الصعاب الأولى من وجودها كدولة-أمة لم تحظ موريتانيا بتضامن العالم العربي و لا إفريقيا السوداء رغم كون هذا البلد يشكل همزة وصل بين هاذين الفضائين. وقد ظلت موريتانيا تعيش دون قاعدة اقتصادية حقيقية و لا تحالفات سياسية قوية.
كل اعتمادها على العون الأوروبي و الصدقات العربية. ومع ذلك فموريتانيا لا تزال موجودة. ولديها اليوم جيش يحترمه الجيران واقتصاد واعد حقا و لديها حتى مئات ملايين الدولار من الأرصدة الخارجية لتغطية وارداتها.
فموريتانيا هذه التي كانت هشة عند ميلادها تمكنت في النهاية من أن تجد لها مكانة مشرفة ضمن المغرب العربي و الساحل و إفريقيا بصفة عامة.
وهكذا تولي رئيسها قبل أشهر في واشنطن إلي جانب رئيس أقوى دولة في العالم الرئاسة المشتركة لقمة إفريقيا و الولايات المتحدة.
كيف إذا تمكن هذا البلد الذي يأتي من بعيد أن يصل إلي هذه المكانة التي لا يستهان بها؟ إن الجواب علي هذا السؤال ليس من قبيل "موقع استراتيجي" لهذا البلد في القارة الإفريقية التي تتغير باستمرار حدودها في عالم متعدد الأقطاب أصبح فيه الإرهاب عالميا و تمتلك فيه القوى النووية طائرات بدون طيارين تضرب أينما شاءت و متى شاءت.
بل يجب البحث عن سر هذا البقاء في القيمة الذاتية للشعب الذي يعيش في هذا البلد. أجل ذلك أنه إذا كانت موريتانيا "بلد جديد" على الخرائط الجغرافية و تعود تسميته للإداري الفرنسي أجزافيي كبولاني فإن البيظان شعب قديم جدا و معتز جدا بهذه الأرض.
فالصحراء الجرداء التي تغطي حوالي %90 من التراب الموريتاني هي "المأوى الطبيعي" للبيظان منذ قرون عديدة. و المستعمرون الذين أطلقوا عليها اسم موريتانيا لم يخطئوا لأن التسمية تفيد أنها أرض البيظان. تلك حقيقة لا جدال فيها و أية محاولة لتزوير التاريخ تبقى ضربا من المحال.
فهذا البلد صحراء قاحلة بنسبة %90 ووحدهم البيظان ظلوا يتنقولون فيها علي ظهور العيس منذ أكثر من عشرة قرون. فالمدن القديمة و الأحياء البسيطة التي توجد فيها يعود للبيظان الفضل في تأسيسها و ليس لأية قوة استعمارية.
وعكسا لما قاموا به في دول الجوار في سينلوي و الدار البيضاء فإن الفرنسيين لم يتمكنوا قط من أن يجعلوا من موريتانيا مركزا تجاريا استعماريا. فالموريتانيون هم الذين سيطروا علي تجارة جيرانهم الجنوبيين الذين ظلوا يشعرون دائما أنهم أجانب في أرض البيظان. ويكفي لإقناع من يجهلون تماما هذه الحقائق أن يوجه لهم السؤال التالي: "متى كانت أخر مرة رأيتم زنجيا إفريقيا على ظهر جمل في الصحراء؟" من يمكنه أن ينكر أن البيظان هم من حمل لموريتانيا ديانتها الإسلامية و لغتها العربية و بنيتها الأميرية و سيطروا علي التجارة في المنطقة و بالرغم من حروبهم القبلية التي لاتهدأ فقد ظلوا يسيطرون على هذا المجال الكبير الذي يمتد من "واد نون" إلي "نهر زناتة" حيث فرضوا حضارتهم؟ من يمكنه أن يجهل تراث المرابطين الذين أنطلقوا من آدرار فسيطروا على المغرب و أجزاء من الجزائر و إسبانيا؟ هل يكون التطرف لدى شريحة لحراطين مبشر وحدة البيظان المقدسة؟ إذا كان هذا الملخص التاريخي ليس ضروريا بالنسبة للبيظان الذين عرفوا بتعلقهم الكبير بتراثهم أكثر من شعوب أخرى كان من السهل أن تفرض عليها لغة المستعمر و ديانته، فإنه بالمقابل مفيد لمن قد يقودهم جهل التاريخ للخطإ بشأنهم.
إن التاريخ لا يرحم وقد سجل أنه خلال استعمار إفريقيا الغربية فإن القائد الاستعماري الوحيد الذي قتله شعب من شعوب المنطقة كان كبولاني هذا نفسه الذي جاء لاحتلال موريتانيا.
ولم يكن شرف هذا الفعل التاريخي الذي هو من صميم المقاومة كما لميكنشرف المعارك العديدة التي تلته وصولا لمعركة أم التونسي يعود للزنوج الأفارقة.بل يرجع هذا الشرف للبيظان. دعونا نتحدث بصدق: لقد مات لويس افدرب علي فراشه و عمره 71 سنة, وهنالك جسور و شوارع تحمل اسمه في السنغال الذي لم يحتفظ تاريخه بغير "المقاتلين السينغاليين في الجيش الفرنسي".إيبير ليوتي هو الأخر يرقد في "البانتيون" حيث مات عن عمر 79 عاما بعد أن حكم المغرب سيدا مطلقا. ‘ إذا كنتم تعرفون هذه الحقائق حول تاريخ البيظان يسهل عليكم فهم حاضرهم وتخيل مستقبلهم.
إنهم قوم ذو جلد. ككل سكان موريتانيا "المعاصرة" لا شك أنكم لاحظتم تقوقعا طائفيا منذ بداية الديمقراطية التعددية وحرية التعبير.وإذا كان هذا التقوقع يحمل في طياته بذور التفرقة العرقية فإنه علي الأقل قد مكن من خروج متطرفين من أمثال اتيام صمبا و بيرام أعبيد وآخرين من المغمورين الزنوج الإفريقيين و الذين لما لم تكن لديهم أحزاب حقيقية معترف بها راحوا يستغلون فضاء الحرية الذي ينعم به اليوم الموريتانيون وطفقوا يصرخون حقدهم و يتبنون الانفصال وتقسيم البلاد. إلا أن المظاهر خداعة. فالتسامح مع "أفلام" في موريتانيا اليوم و السماح لمتطرف مثل بيرام بالترشح لرئاسيات 2014 و هو صاحب السوابق العدلية الخارج لتوه من السجن للمساس بديانة الدولة التي هي الإسلام، تلك قرائن علي كونهما لا يمثلان أي خطر سياسي وليس لديهما أي أمل في الوصول إلي السلطة عبر صناديق الاقتراع لأنهما منبوذين من قبل %90 من شرائحهم قبل أن ينبذهم %99من البيظان. و المفارقة أن تأثير أفلام و بيرام كان إيجابيا بالنسبة لمجموعة البيظان التي لطالما ظلت مقسمة وضائعة بسبب هوسها بأفقها القبلي الضيق.
لاشئ مثل العدو المشترك لنسيان الاختلافات غير الحقيقية و رص الصفوف.
ولن يستطيع البيظان أن يشكروا بما فيه الكفاية هؤلاء الحمقاء أمثال بيرام الذين بمحاولتهم إشباع طموحاتهم الصغيرة أيقظوأ الشرائح الأقل انتباها من مجموعة البيظان وسرعوا ظهور الوحدة المقدسة للبيظان.
لقد نبذت أغلبية الحراطين بيرام فور ظهوره على الساحة السياسية بعد أن خدم الزين ولد زيدان في رئاسيات 2007 ثماستبعد بسرعة نتيجة عدم كفاءته فانصرف نحو المتطرفين السود بحثا عن قاعدة سياسية.
مرة أخرى كانت المحاولة فاشلة حيث أن تلك أرضية محروسة لفلام و دعاة الأثنية من أمثال إبراهيما صار.وبروح انتهازية سطحية راح بيرام يكيل الشتائم للمجموعة الزنجية الافريقية من سوننكى و بولار مقدما نفسه كمدافع عن أبناء عبيدهم.
إن طريقة بيرام هي كيل الشتائم لكل الموريتانيين من رجال الدين إلي السياسيين مرورا بالمواطنين العاديين و لا أصدقاء له غير من يريدون زعزعة أمن موريتانيا. إن فشله مبرمج لأن من هم أذكى منه و أشد مكرا في عداوة هذه الأمة لم يفلحوا في هذه اللعبة.
وبالمقابل إذا كان حرطاني مثل مسعود ولد بلخير نجح في إقناع %19 من الناخبين الموريتانيين خلال انتخابات عام 2009 متقدما علي زعيم سياسي مرموق مثل أحمد ولد داداه ذالك أن خطابه لم يكن موجها لشريحته كما أن حزبه التحالف الشعبي التقدمي ليس أحادي اللون و لا ينكر عروبة و لا إسلام موريتانيا.
إن قضية الحراطين لمن يعرف حقيقة البلد هي بكل بساطة قضية اقتصادية اجتماعية ترتبط بالفقر و الجهل.
وذلك أمر شائع في الدول النامية و ليس فيه ما يبرر القطيعة بين البيظان و الحراطين الذين يعيشون سويا التداعيات الاقتصادية للهجرة الكثيفة من الريف إلي المدينة وميلاد طبقة أكثر تعلما و جماهير اكتسبت بفعل النمو العمراني صفة المستهلك.
إن الحراطين الذين ليست لهم هوية سوى ثقافتهم العربية الاسلامية و ليس لديهم وطن يأويهم غير موريتانيا لا خيار لهم إلا البقاء في محيطهم الطبيعي و أن يخلقوا لأنفسهم فيه مكانة بروح المواطنة وبكل شرف مع أبناء أسيادهم السابقين الذين يتقاسمون معهم نفس المصير (نفس البلد و نفس الدين و نفس اللغة و نفس الثقافة).
وهذا ليس بدعا من الأمم فنفس النموذج موجود و تحديدا في أكبر قوة ديمقراطية في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية. يعلمنا التاريخ أن التعايش السلمي بين المجموعات أبعد ما يكون من أن يكون القاعدة و الصراعات الأثنية و الدينية التي نشاهدها في مختلف أصقاع العالم في نهاية عام 2014 تذكرنا بذلك كل يوم. وفي الواقع أن الموضة الحالية للتطرف لدى الحراطين و الزنوج الأفارقة تبعث اليأس لدي أصحاب النوايا الحسنة وتجعل الموريتانيين البسطاء التواقين للسلام و العدل يخشون تقوقعا عنصريا قد يفضي إلي تجذير الخلاف في المجتمع والسياسة الموريتانية.
وإذا كنا في هذه الفترة نسمع خطابا عنصريا لدى بعض الحراطين و الأفارقة الزنوج فإن البيظان أيضا لديهم نفس التفكير و يتساءلون بكل وجاهة كيف أن البيظان الذين شيدوا هذا البلد و اختاروا بصفة رسمية القطيعة مع الإرث الاقطاعي وتبنو خيار الترقية الاجتماعية السياسية والعون الاقتصادي للاقليات المعدمة يرون اليوم بعض مكونات هذه الأقليات تنقلب ضدهم. كل برامج العون و الدمج وكل سياسات الولوج للملكية العقارية و كل توزيعات المعونات الغذائية للطبقات الأكثر احتياجا وكل هذه المدارس و المستشفيات وكل القوانين المجرمة لآثار الاقطاعية و كل التعيينات لمسؤولين من الحراطين (رجالا و نساء) على كل مستويات الإدارة، بكلمة واحدة كل هذا "التمييز الايجابي" علي حساب البيظان لم يجدى سوى تكوين سرير للتطرف.
هذا ما تعتقده أغلبية البيظان اليوم. يتألمون لمدى لؤم البعض ممن يساهمون اليوم في تدهور خطير لأواصر نسجت بصدق نية بعيد الاستقلال. وتتحسر قلوب المحسنين لذلك. لقد رأينا بعض "وجهاء" الحراطين بعد أن استفادوا علي مدى عقود من كل الأنظمة و تبوؤوا أعلى المناصب دون أية شكوى من التمييز يكتشفون لأنفسهم أخيرا رسالة شبهابمارتن لتر كينج... ومع ذلك فإن ما عملته الدولة لضحايا أحداث 1989 المعادية للبيظان في السنغال كان أقل مائة مرة من ذلك. كل هؤلاء المسفرين الذين تركوا ليعيدوا بناء حياتهم بأنفسهم. و النتيجة أن سوء نية المرجفين الشعوبيين قد أحيت الأحقاد الدفينة.
فبعض المتطرفين من البيظان يرى أن الزنوج الأفارقة و الحراطين هم من يجر البلد إلي الوراء ويعرقل نموه.
وبدأت حججهم تنفذ إلي عقول الناس. وإنه مما لا مراء فيه أن نسبة الولادات المرتفعة لدى الحراطين و انخفاض مستوياتهم التعليمية مقارنة بالبيظان يثقل كاهل ميزان مدفوعات البلد. صحيح أيضا أنه ضمن هذه المجموعات توجد أعلى مستويات الأمية وأعلى مستويات الإجرام لدى البالغين و أعلى مستويات الانحراف لدى الأحداث و كذا تعدد الزوجات و العنف ضد المرأة و تناول المخدرات و الفاحشة و الأدعياء و بالتالي وأد الأطفال و أطفال الشارع. من يمكنه إذا أن يمنع ميلاد حزب وطني بيظاني إذا أراد بعض البيظان تأسيسه؟. وبالنسبة لحزب كهذا فإن تحطيم شرذمتي بيرام واتيام سياسيا وجسديا يعد مجرد جولة استجمام. فهم أكثر عددا وعتادا وأكثر انتشارا في مختلف مناطق البلاد ومدججون بالسلاح ومتمرسون على الحروب القبلية و المقاومة.
فهل ترون من السهل منعهم يوماإن أرادوا القضاء نهائيا على أقلية متطرفة؟ وعليه فإنه من الواضح أن الحل لمشاكل المجتمع الموريتاني لا يكمن في الثورة العنصرية ولا الحرب المدنية و لكن في التضامن الوطني. حيرة الأفارقة الزنوج أما الأفارقة الزنوج فهم في وضعية مختلفة.
فهم يعرفون بكل تأكيد أنهم يشكلون أقلية تتوزع بين عدة عناصر لكل لغته و ثقافته و تربطهم علاقات قديمة و قوية بجيرانهم الجنوبيين حيث يهرعون إليهم للجوء عند حدوث أبسط هزة في موريتانيا. وقد يكون من غير المنطقي وغير العادل مع المكونة الأخرى للبلد (البيظان و الحراطين) التي تجمعها اللغة العربية و الثقافة الاسلامية الواحدة أن تستأثر الاقلية الزنجية الافريقية بمكانة اقتصادية و اجتماعية مسيطرة لا يبررها عددها ولا حضورها التاريخي المعدوم في الصحراء الموريتانية. وهنا يكمن سر الحيرة لدى الأفارقة الزنوج و الخطأ السياسي الفادح الذي وقع فيه قادتهم المتطرفين وخطرهم الكبير على مجموعتهم الخاصة.
ولمن يساورهم أدنى شك في ذلكفإن الواقع عنيد و الأحداث موجودة للبرهان على ذلك ببلاغة. فعودة رئيس أفلام إلى موريتانيا عام 2013 و كذا الحل الذاتي للحركة الانفصالية قبل أسابيع مرت وكأن شيئا لم يكن وبدون أي تأثير على الحياة السياسية في موريتانيا.
إن معرفتهم بأنه لا يمكنهم بحال من الأحوال السيطرة على البلد جعلهم يسعون لتقسيمه ليحصلوا على قطعة صغيرة منه. برنامج فشله مضمون. إن دعواتهم الأخيرة للانفصال تحت غطاء "الحكم الذاتي" ليست فقط خطيرة علي البلد لكنها تمثل دون أدنى شك خطأ سياسيا فادحا ينذر بالدماء و الدموع للجميع وسيكونون هم في مقدمة. الدولة أولا والديمقراطية بعد ذلك. من المعروف أن من بين مساوئ النظام الديمقراطي أنه يشجع الانتهازية.
فكم جرائم ودسائس انتحارية بالنسبة للجماهير اقترفت باسم الديمقراطية. إن الغياب التام للرقابة على الصحف و مئات المواقع الالكترونية الحرة والاذاعات و القنوات التلفزيونية المستقلة هي بدون شك من النتائج الايجابية للديمقراطية الموريتانية الجديدة التي يحسد الموريتانيين عليها خفية مواطنو دول أكثر غنى مثل السعودية و غينيا الاستوائية و الكونجو الديمقراطية و البحرين وحتى الجزائر و المغرب.
وعلي الموريتانيين أن يعتزوا بها لأنها سبقت موضة الربيع العربي ومكنت الديمقراطية الموريتانية الجديدة من تفادي انهيار الدولة والخراب و الحرب الأهلية. فهل الدول التي اندفعت في ذلك الطريق هي اليوم أفضل حالا من موريتانيا؟ إنها اليوم لا تكاد توجد كدول. وبالمقابل فإن الجانب السلبي من الديمقراطية الموريتانية الجديدة هو أنه لم تعد هنالك محاذير في هذا البلد. إنه ثمن الديمقراطية المسرعة في العالم الثالث.
إلا أنه علي الجميع أن يتفادى التسامح مع أعداء الديمقراطية و أدعياء النبوة. إن أغلبية الموريتانيين الرشداء و المسالمين ضاقوا ذرعا بكل أنواع التطرف من سلفيين و زنوج أفارقة وحراطين ممن يطلقون العنان لألسنتهم دون حياء و لا لباقة ويسعون جاهدين بخطابهم وأفعالهم السياسية إلى نشر الفوضى في هذا البلد الأمين.
لم تعد هنالك مقدسات. فلا الدين الإسلامي الحنيف و لا الوحدة الوطنية المقدسة ولا الإئمة الذين يتعرضون للهجوم في مساجدهم. لقد بلغ السيل الزبى. إن الاحترام الذي يستحقة البيظان، مؤسسي هذه الأمة غير قابل للنقاش. إن واجب مواطني و قادة دولة تتعرض لهذا النوع من الهجمات التي تستهدف وحدتها الوطنية هي أن تحول دون أن تقود الانتهازية السياسية لأقلية إلي الكارثة و التفكك.
إن مسؤولية الجميع من مواطن عادي و معلم وطالب و موظف وجندي و شرطي و مفوض ودركي و مدير جهوي للأمن و والي وجنرال إلي رئيس الجمهورية هي الوقوف صفامنيعا في وجه التهديدات الداخلية و الخارجية التي تستهدف الوحدة الوطنية؟ ويتعين هنا التذكير بالحكمة التي عبر عنها الكاتب الفرنسي أميل زولا عندما قال إنه: "علي مر القرون فإن تاريخ الشعوب ليس سوى درس من التسامح المتبادل".
لقد استطاع الموريتانيون عربا وزنوجا،شرائح وأطيافا أن يؤسسوا فوق هذا الأديم حضارة المحظرة: الدواة واللوح وبها حموا أرضهم ووحدتهم من ظهور مسيحيين كما في السنغال حيث مكث لبيول سيدا ر سينكور أزيد من أربعين سنة وهو مسيحي يحكم شعبا مسلما معروفا بقيم التعايش والتسامح مع البيظان ، وفي الشمال في المغرب ظهر دور الجالية اليهودية في صنع القرار وتوجيه الحكم، ودفع الجزائريون مليون شهيد حتي لايكونوا مقاطعة فرنسية، ولم تنجح مالي في انسجام بين الطوارق والعرب والسونغاي والفلان... وحدها موريتانيا بصناعتي المحظرة : المشترك الديني، والفتوة: المشترك الثقافي.. خطت اسمها ورسمها الموحد: الجمهورية الاسلامية الموريتانية في ظرف تاريخي غربت فيه الشمس علي كثير من عتاة التكفيريين والمتطرفين. واليوم يجب أن يأخذ كل الموريتانيين من جلد وأصالة وعزة نفس أجدادهم ألق ذلك المجد ويصونوه ويحموه من عبث شرذمة متطرفي دوردكال وببغاويي النعرات العنصرية والطائفية البغيضة.
عبد الله ولد المبارك