منذ قيامها قبل إثني عشرة سنة ظلت شبكة مياه مدينة كيفه تواجه الكثير من المشاكل مرور بالأعطاب الفنية اليومية ونضوب الآبار والتقطعات وتوقف الضخ عن هذا الحي أو ذاك ورغم ذلك فقد شعر السكان بزوال مشكل العطش آملين – كما هو طبيعي – أن تتحسن تلك الخدمة العمومية الحيوية مع مرور الوقت فيتم التغلب على كل المشاكل تباعا.
لقد بدأت المشكلة تحديدا منذسنتين عندما تراجع منسوب الماء في آبار شبكة المدينة إلى أقل من النصف بفعل تناقص الإمطار خلال السنين الأخيرتين حسب فنيي الشركة.
وقد ظل انحباس مياه الشبكة في سير مضطرد إلى أن جفت الحنفيات حتى في الأحياء الأساسية في مركز المدينة بما في ذلك المباني والمرافق الرسمية.
وقد أدى هذا المشكل إلى عودة المدينة إلى استغلال آبار تقليدية أقيمت في السبعينات والثمانينات عبر شراء براميل المياه بأسعار مرتفعة تبلغ في أشهر الحر 800-1000 أوقية،وهي الآبار التي كانت مكبا للجيف ومختلف القاذورات مما تسبب مرات عديدة في ظهور أعراض مرضية كالإسهال الذي يلاحظ انتشاره مؤخرا بين السكان، وقد انتهز تجار جشعين محنة السكان فانتقوا صهاريج وصاروا يجلبون المياه بكل الطرق لبيعها بأسعار تماثل أسعار أغلى المواد الغذائية.
هذا العطش الماحق تسبب في رحيل العديد من الأسر وتأجير منازل في الأحياء القليلة التي لازالت تجد الماء كما قامت أسر أخرى بالعودة إلى القرى الريفية وترك أطفالها عند الجيران والأقرباء لمزاولة الدراسة. غيرأن المفاجأة كانت كبيرة وصادمة فمع مرور كل سنة بل وشهر يزداد ترهل الشبكة ويستيقظ السكان على الأسوإ ليبلغ ذلك ذروته هذا العام بعودة المدينة تقريبا إلى الوضع في التسعينات عندما كان المصدر الوحيد هو الآبار .
لقد تردت هذا الشبكة حيث أصبحت أمام هذا الواقع:
1- تراجع منسوب المياه في آبار الشبكة بشكل خطير تفاقم إثر تضاؤل معدل الأمطار خلال السنوات الثلاث الماضية.
2- توقف الضخ عن أكثرية أحياء المدينة وصار ضعيفا جدا ومتقطعا في أكثر الأحياء التي كانت حركة المياه بها هي الأقوى.
3- تعطلت –تقريبا- كافة الحنفيات العمومية التي كانت مصدر توزيع الماء في الأحياء التي لم تبلغها الشبكة.
4- افتقار الشركة لسيارات صهريج كافية وهي التي كانت ستساعد في توزيع المياه في المدينة عبر بيعه في الأحياء الهامشية.
لقد قامت وزارة المياه مؤخرا بتوجيه 9 آبار هبة من تركيا إلى إسناد الشبكة وتم اليوم إلحاق بئرين منها بهذهالشبكة غير أن ذلك لك ياتي بجديد وتعجز الشركة أو تتعمد عدم استغلال بقية الآبار.
هذا الوضع خلق موجة من القلق لدى السكان الذين أصبحوا منشغلين في التفكير في مستقبل المدينة وفي ما إذا كان هذا العطش سيتسبب في كارثة لا قدر الله ، ولذلك بدأ عدد من الأسر في التحول من حي إلى حي كما عمدت أخرى إلى جلب الماء من ريف المدينة وارتأت أخرى البقاء في البادية حتى تنفرج أزمة العطش أو على الأقل تتضح الصورة.
المدهش حقا في هذا المجال أن حلولا كثير ة متاحة وبالقليل من المال لدعم شبكة مياه كيفه حتى يتوفر الحل النهائي ، لكن الحكومة الموريتانية تبدو متغاضية عن حجم المشكل وكانت قاصمة الظهر في تصريح الرئيس الأخير للصحافة وهو عدم حسم الطريقة التي ستسقى بها المدينة.
ولم يكن مشكل المياه الوحيد في معاناة سكان هذه الولاية بل ظل المواطن مثقلا بهموم أوجدتها حالة تردي الأوضاع المعيشية ، والصحية لم يألفوها من قبل ، والأوساخ والقمامات والبرك والمستنقعات تتعانق وتتشابك في الأزقة والممرات والشوارع الرئيسية بالمدينة تنبعث منها الروائح الكريهة ، وتوفر بيئة صالحة لتكاثر الباعوض ، لتزيد المعاناة وتقض مضجع المواطنين ، وتؤثر على صحتهم وصحة أطفالهم ، دون أن تكلف البلدية نفسها عناء تجميعها أو نقلها فتعطي مظهرا لائقا وحضاريا وترد الجميل لشعب انتخبها ، وعلق عليها آمال البناء والتنمية.ولكنها تتفنن في إجبارهم على دفع الإتاوات والضرائب لمحصليها الأشداء . أما الأسعار فلم تعد في متناول المواطن البسيط في مدينة كيفه ، فأسعار المواد الغذائية ملتهبة ، وأسعار اللحوم – رغم توفرها – في ازدياد مضطرد، وسط غياب تام للسلطات الإدارية ، والمنتخبين والذين يتفرجون على المشهد، فلا يقدمون خدمة ولا يسعون لحماية السكان من شجع التجار وأصحاب المصالح.
فهل نحن أمام حيلة لهذه الحكومة لمعا قبة سكان هذه الولاية التي تتفاقم مشاكلها مع تزايد إقالات أطرها ؟