يبدو تواجد الأطر الموريتانيين المنحدرين من الضفة في المناصب السامية للدولة كافيا لدى البعض لإثبات أن السود ليسوا مهمشين في موريتانيا. من أجل الحقيقة فقط : يمكنني القول بأن العين المجرد تدرك تمثيل السود بمجرد متابعة التلفزة الوطنية أو النظر إلى تركيبة مجلس الوزراء إذ نجد 8 وزراء سود من أصل 31عضوا بينهم الرئيس. وحين تنظرون إلى المجلس الأعلى للقضاء فنسبة السود ضئيلة كما هو الحال في مختلف القطاعات الرسمية : الولاة ، الحكام، السفراء ،والقناصل، ضباط الجيش، مدراء الأمن الجهوي، مفوضي الشرطة، القضاة.....الخ
و لا يقل حظ السود الموريتانيين في مجال الأعمال: البنوك والتأمين، ورجال الأعمال، وقطاع الصيد وحتى مجال المخبرة......الخ
بمجرد النظر في هذا التمثيل ندرك أن السود الموريتانيين لا يحظون بنفس الفرص التي يمتاز بها إخوتهم "البيظان" و هذا يعني بأن الدولة ليست عادلة. ( المسؤولية هنا ليست على عاتق الرئيس عزيز وحده بل على كل الذين حكموا وشكلوا حكومات في البلد).هنالك تفاوت غير مبرر وغير لائق وغير مقبول يستدعي حلولا عاجلة ، ومن الضروري مراجعة الاستيراتيجية المتبعة من طرف الحكومة وإخضاعها للواقع الوطني بشكل يتيح لكل مكونات الشعب نفس الفرص في وظائف الدولة وثرواتها.
لست عنصريا وبعيد من التطرف، أنحدر من المكونتين لشعبنا والحمد لله، ومن أجل ذلك أقدر أنه لخدمة الوطن حاضرا ومستقبلا فإنه من الضروري كشف بعض الحقائق المرة. و لست مهتما بردود الأفعال أو التعاليق المنتظرة والتي أتخيل فحواها. الأمر الذي يهمني هو لفت الانتباه إلى غياب العدالة الواضح والذي يتضرر منه السود الموريتانيون مما يستوجب عناية خاصة من رئيس الجمهورية الذي ندعوه هنا برئيس الفقراء والمهمشين.
ليس من الصواب إطلاقا إقصاء أكثر من 70% من المواطنين عمليا من الحياة السياسية والاقتصادية لبلد ديمقراطي يفترض فيه أن كل شخص يمثل صوتا واحدا.
إن مطالب السود الموريتانيين بسيطة وعادلة، يطالبون بمعاملة متساوية مع إخوتهم البيظان، لا أقل ولا أكثر،هذه المطالب ليست مجحفة. فلم يعد بوسعهم التحفظ على سخطهم وعدم رضاهم بالعيش في بلد لا يمكن فيه لأبنائهم أن يتمتعوا بأبسط الأحلام أحرى أن يأملوا بمستقبل واعد بسبب الظروف المعيشية المتدنية لأسر السود الموريتانية.هذا لا يعني اتهام مجتمع البيظان بل بعيدا عن ذلك فالمشكل سياسي ولا يعني إلا الدولة، مما يحتم علينا جميعا التركيز على ضرورة تبني سياسة اجتماعية عادلة تتيح لكل الموريتانيين تقاسما عادلا لكل ما لوطننا الغالي من خيرات ومآسي.
من الضروري الإشارة هنا إلى أن شباب السود الموريتانيين يعانون بطالة كلية تعزلهم في آدوابة والمدن والقرى الداخلية بلا أمل في الأفق مما يشكل "قنبلة مؤجلة" من العقلانية تفكيكها مادام الوقت متاحا لذلك، وإيجاد صيغ تمنح هذا الشباب فرص عمل في ولاياتهم تفاديا لتوافد جموعهم على نواكشوط مع كل ما لذلك من انعكاسات على أمن البلد .
و يجب وضع تحليل موضوعي وعميق تنجزه أطر نزيهة مع كل ما يتطلبه ذلك من فكر و شفافية واستقامة ومحبة للوطن حاضره ومستقبله، من هنا يمكن للحكومة الاعتماد على المقترحات التي ستمنحها رؤية واضحة لما يمكن فعله لإخراج البلد من الأزمة الخانقة التي يرزح تحتها.
لا أود أن أقول هنا بأن الكوخ يحترق، لكنني أقول بأن الوقاية خير وأولى من العلاج. إنه من الأجدى طرح بعض الحقائق بدل مواجهة مأساة اجتماعية يبادر حينها بعض المسؤولين السامين للتنصل من مسؤولياتهم وتحميل رئيس الجمهورية كل الخطايا. سبق وأن عشنا حالة مشابهة مع الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطابع. كما أنه من غير المقبول أن بعض المسؤولين يعيثون في الأرض الفساد والخراب ويبددون خيرات البلد وفي غمار أزمة ما ينتقلون للطرف الآخر ويحالون أن يلبسوا ثوب النقاء رغم أنهم في غالب الأحيان حتى لا نقول دوما مسؤولين عن ممارسات بشعة بحق الوطن بكل مكوناته. من الضرورة بداهة مقاضاة كل المسؤولين عن ما اقترفوه سواء كانوا :قتلة أو شاركوا في عمليات التعذيب أو تورطوا في جرائم مالية.. سيمثلون كلهم يوما ما أمام العدالة ويواجهون مسؤولياتهم.
من الواجب علينا جميعا العمل يدا بيد للتوصل للحلول المناسبة لضمان و تأمين استمرارية بلدنا والحيلولة دون النزاعات الطائفية والعرقية التي تمس استقرارنا ووحدتنا الوطنية. علينا أن نتقبل تنوعنا الثقافي وأن نعتبره ثراءا يشرفنا جميعا ويجعل منا شعبا متحضرا على مستوى تطلعات الأجيال الصاعدة والتي تأمل أن نورثها وطنا عادلا ،موحدا، وأخويا.
والله يحفظ وطننا الغالي
أقلام حرة