إلى إبني الزين ولد الخليل ولد الخليفة
منذ الطفولة، كنت هادئا وحسن السلوك. لم تتفوه في أي وقت بكلمة ليست في محلها كما لم تقم بأي عمل مخالف. في الواقع، عندما لا تكون مرتاحا لسبب ما فإنك تكتم الأمر دون أن تظهر رد فعل قد يشعر به الآخرون. ومع ذلك، كانت لديك شخصية قوية يشهد لك بها كل أفراد الأسرة. كنت تحب عمل الخير وكذلك أهله لأنك كنت تسعى دائما لأن تكون كبيرا رغم صغر سنك. لقد أكملت جميع المراحل التعليمية بامتياز في الابتدائية والثانوية والجامعية (بكلوريا رياضيات بتقدير جيد، شهادة مهندس في الكهرباء بتقدير جيد من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية (ENSA). في مراكش كما حصلت على الجائزة الأولى في مجال الروبوتات في المسابقة التي نظمتها جامعات جنوب المغرب).
ابني لقد كنت مواظبا وجديا في كل ما تقوم به حتى أن أوقات فراغك التي كانت محدودة جدا غالبا ما تؤجلها لانشغالك بدراستك وعملك الأخير إلى الحد الذي جعلني أدعوك لأخذ قسط من الراحة والاستجمام مع الأصدقاء. لقد سعيت وأنت في ربيعك الثاني والعشرين أن تمنحنا كل ما نحتاجه. بعد قدومك العام الماضي من المغرب بوقت قصير باشرت تدريس الأعمال التطبيقية ببراعة في مجال أجهزة القياس والمجسات وكذلك في مجال المنطق التسلسلي في المدرسة العليا متعددة التقنيات حيث أشاد بمستواكك على حد سواء كل من الطلاب والمسئولين.
وبنجاحك المتفوق في المسابقة التي نظمتها هذه المدرسة لتصبح دكتور ضابط في تخصص الهندسة الكهربائية فقد كنت تحاول الالتحاق بمهنة التدريس النبيلة ولكن كذلك الانضمام إلى هذه الهيئة النبيلة التي هي الجيش لأنك كنت تعرف أهميتها في بلد نام كالذي ننتمي إليه معرض للكثير من الأخطار والتحديات. هذا الجيش الذي أردت له أن يظل قويا ومهنيا. وقد كان المشروع الأول بالنسبة لك، ومدرستك شاهدة على ذلك، يتمثل في صناعة طائرة بدون طيار بألوان موريتانية يدفعك لذلك النجاح الكبير الذي حققته في مجال الروبوتات وكونك متخصصا في المنطق التسلسلي على أساس كرافست أوشبكة بتري. لقد جعلك ذكاؤك وحيويتك وحب الإطلاع لديك تتقدم على نظرائك من جيلك. ابني، كم كنت فخورا بك دون أن أظهر لك ذلك لأنني أردت لك أن تنجز أكثر مما حققت وهذا ما أدى بك لبذل جهد مضاعف على حساب راحتك الشخصية. طوال الوقت كنت تعمل في غرفتك التي كنت أسمعك وأنت تنزل إلى أسفل، في وقت متأخر من الليل، لتناول كوب من الحليب في مطبخ الطابق السفلي. أعدك إن شاء الله بأن تستمر البحوث التي كنت تجريها والمتعلقة بتدقيقات حسابات الطاقة والطاقة الشمسية بعد موتك المفاجئ هذا الأحد 07 سبتمبر 2014 في أطار، المدينة التي قدمت إليها الأربعاء 03 سبتمبر 2014 وهي لعمري إقامة قصيرة لم تتجاوز أربعة أيام فقط. بعد ظهر ذاك اليوم وفي مناخ صعب و صيف ساخن قاربت حرارته الخمسين درجة مئوية نال منك التعب والإرهاق أي مأخذ لدرجة أنه أغمي عليك وأنت واقف لتسقط فاقد الوعي من أعلى ويصطدم رأسك بتضاريس صخرية. اصطدام أدخلك في غيبوبة لم تخرج منها سوى لبضع دقائق لتفارق بعدها الحياة وتلتحق بخالقك في الحياة الآخرة. أي حظ أن تخرج من هذه الحياة الدنيا وتنضم إن شاء الله لمن وعدهم ربهم بالجنة الأبدية التي لا توجد فيها نظرات الشر أو الظروف المناخية التي لا يطيقها جسمك اللطيف ولا عقلك السليم.
لم أبكيك لأنك، وقبل شهر بالتمام والكمال أي في 07 أغشت 2014 عندما توفي جدك الزين الذي تحمل إسمه، قلت لأمك وقد كانت تبكي أباها أن ما تجاوز دموع الرحمة يعد غير مفيد وأوصيتها برغبتك في أن لا يتجاوز بكاؤها عليك دموع الرحمة إذا مت قبلها. وعندما كنت تقول إن حياة الإنسان وبقاءه في هذه الدنيا إنما هو كعابر السبيل وأنه لا محالة راجع إلى خالقه فقد برهنت بذلك على عمق إيمانك بالله. وبرفضي أن أبكيك أو أن أذرف الدموع عليك متغلبا بذلك على مشاعري كأب إنما فعلته عملا بوصيتك واحتراما لروحك التي هي عزيزة علي وخصوصا أنك فارقتنا وأنت في مقتبل العمر. ولكنك بذلك منحتني قدرا كبيرا من الشجاعة للفوز في هذه المحنة الأليمة والتي يختبر الله من خلالها مستوى إيمان مخلوقاته. أشكرك ابني مرة أخرى على هذا الدرس. أعدك ببذل ما في استطاعتي من جهد لمواصلة تعليم وتربية إخوتك من بعدك بإذن الله لجعلهم مثلك في التعليم والبر واحترام ديننا الكريم. وداعا وصدقني سأدعو الله دائما أن يتغمدك برحمته وأن يجعل مثواك في الجنة.