نظمت وكالة كيفه للأنباء - بمقرها المركزي وسط مدينة كيفه- صباح اليوم 4/8/2014 -محاضرة تحت عنوان: (لحراطين والطموح للعدالة، جامبور كيفه نموذجا) سعيا منها إلى إثراء الساحة الفكرية والثقافية بالحوارات والنقاشات المفيدة التي تتناول مختلف القضايا الوطنية.
وقد أنعش هذه المحاضرة الأستاذ السيد ولد صمب انجاي، الذي استهلها بالتعريف بكلمة "لحراطين" مؤكدا أنها تحريف لكلمة "الحراثين" وهم السكان الأصليون الذين كانوا يَعمرون البلاد بالزراعة والتنمية الحيوانية. وقد عانوا الكثير من الظلم والحيف في ظل الأنظمة المتعاقبة ، وشيوخ القبائل والوجهاء ، حيث يتم استغلالهم بشكل فظيع من طرف السادة من البيظان .
وعرج المحاضر إلى أهمية استلهام العبر من ما حل بهؤلاء ودعا لضرورة المصارحة والاعتراف بحقهم في حياة كريمة تضمن لهم حقوقهم كاملة على غرار إخوتهم من البيض الذين كانوا ينعمون بما تدره عليهم سواعد عبيدهم ، وذلك من أجل بناء دولة مؤسسات تتساوى فيها كل الشرائح في الحقوق والواجبات وتعزز اللحمة الوطنية.
ثم تطرق المحاضر إلى مفهوم كلمة "جامبور" مشيرا إلى أنها مركبة من كلمتين تعودان في اشتقاقهما إلى اللغة الولفية وهما، "جام" التي تعني العبد، و"بور" ومعناها السيد، مستخلصا من ذلك كله أن مدلول الكلمتين يعني "العبد المتمرد".
وقد حضر هذه الندوة جمع غفير من سكان المدينة، وكوكبة من الأساتذة والباحثين والنشطاء المدنيين والفاعلين السياسيين ، الذين أشادوا بهذا التوجه وانصبت مداخلات الحضور حول ضرورة تشخيص مشكل العبودية ومخلفات الاستراق ، مؤكدين على أن مجتمع البيظان ( بيظان واحراطين ) قومية واحدة لها نفس اللغة والتراث والتاريخ ، ووينبغي العمل على ايجاد الحلول الناجعة التي تضمن للجميع المساواة والعدالة الاجتماعية في جو يطبعه السلم الأهلي والوئام الاجتماعي بعيدا عن التطرف والتفرقة والدعوات الفئوية الضيقة.
وهذا هو نص المحاصرة لمن يريد قراءتها كاملة:
لحراطين بكيفه ... والطموح للعدالة (جامبور كيفه كأنموذج)
لقد بات من المسلم به جدليا أن قضية لحراطين ونزوعهم نحو التحرر والعدالة أضحى أمرا واقعيا، بعد أن كان خجل وحياء من نقاش الموضوع، سواء على المستوى الرسمي( مؤسسات الدولة)أو المستوى غير الرسمي (الشعبي) ونظرا لحساسية الموضوع وطرحه في الساحة الثقافية وكذ اساحة الإعلام سواء كان مسموعا أو مرئيا أو مكتوبا فإن قضية لحراطين برزت وتبرز بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وهو ما تجسد في الظروف الجيو– بوليتيكية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الثقافية وهو ماكان له تأثير بالغ في محاولة نقاش موضوع ظاهرة العبودية وعودته للساحة الثقافية تلك الظاهرة التي أرقت شريحة لحراطين وبقيت جاثمة على صدورهم ردحا من الزمن، علما أن جل الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد لم تقدم حلا لهذه المعضلة المقيتة والمشينة والقضاء على أسبابها بغية انتشال شريحة عريضة خدمت
الدولة بقواها العضلية فكانت مصدر محرك للإقتصاد الوطني وإن بطريقة تقليدية.
من هذا المدخل المبسط والمتواضع حاولنا في بداية البحث أن نقسم الموضوع إلى فسمين:حيث سنتناول في القسم الأول لمحة تاريخية عن نشأة مفهوم لحراطين ، معنى الحرطنة ثم المعوقات التي تحول دون إيجاد كيان مستقل لهذه الشريحة العريضة من المجتمع الموريتاني، فما الذي نعني بكلة لحراطين أوليس لحراطين مكونة إجتماعية مستقلة غنية بثرائها وخصوصيتها الثقافية كباقي مكونات المجتمع الموريتاني( هالبولار- ولوف – سوننكي – آزناڭ – إيڭاون- لمعلمين – العرب البربر... إلخ)، أم أنها مكونة مزجت بمكونة العرب البربر(البظان) بغية تكثير عددها وعدتها كما وكيفا، بمعنى كما يقول بعضهم:(البيظان الخظر)؟
أما في القسم الثاني فسنخصصه لمفهوم جامبور كيفه وفيه سنتجاسر إلى الدلالة الإشتقاقية والإيتيمولوجية السيمانطقية
لمفهوم داجامبور فما الذي تعنيه هذه الكلمة التي تعود جذورها إلى اللغة الولفية ؟ أما ختاما فسيكون مخصصا لمآلات لحراطين بشكل عام وحراطين جامبور كيفه بشكل خاص، ما الذي قدمته الدولة الموريتانية طيلة عمرها لهذه الشريحة الضائعة بفعل أنامل المستعمرأولا والقبائل( الزوايا والعرب خاصة)ثانيا؟ بمعنى آخر ما الذي عملته الدولة الموريتانية طيلة الأحكام المتلاحقة من تمييز إيجابي لجامبور كيفه التواقين للعدالة والإنصاف والإستقلال الأوتونوميزي الذي فرضته الإدارة الفرنسية بمباركة من شيوخ القبائل والزعامات الروحية المضطهدين من طرفهم وكيف ساهمت المدارس التي أسسها المستعمر – على الرغم من تأسيسه لمدارس أبناء الشيوخ- في الحد من تنامي ظاهرة الإقصاء لجامبور، وهل أسغفتهم اليد اليبوية السلوية من لطش الأسياد وهل كان نجاشيا لايظلم أحد عنده؟
هذه التساؤلات وغيرها ستكون مدار ومثار بحثنا لهذا المساء جمهورنا الكرام سيداتي وسلدتي.
القسم الأول مفهوم لحراطين: تطلق تسمية لحراطين على من تعرضوا للهيمنة والإٍسترقاق من طرف قبائل البظان( القبائل الصنهاجية البربرية والحسانية العربية) القادمة من الشمال، ويشكل لحراطين مكونة اجتماعية واسعة الإنتشار تعود في أساسها إلى القبائل الزنجية وهم السكان الاصليون للمنطقة وقد استمدوا هذه التسمية من مهنة الحراثة حيث أن كلمة لحراطين هي مجرد تحريف لكلمة الحراثين، أي أن مكونة لحراطين لصيقة بالأرض وزراعتها وهم من يمتلكها أصلا بموجب النشاط الذي يزاولونه( الحراثة).
وعلى الرغم من تعدد دلالات المصطلح فإن جل الكتابات العربية والغربية قد اجمعت على أن اصل كلمة لحراطين منسوبة إلى الحراثة سواء تعلق الأمر بزراعة الواحات أو الزراعة المطرية، وفي هذا الإطار يقول: <جوتييه> في كتابه( فتح الصحراء) إن كلمة لحراطين تعني الفلاحين وهي مأخوذة من فعل (حرث) وهي لاتعني بالضرورة الزنوج ولا الخدم ولكنها عمليا تطلق على الزنوج المنحدرين من العبيد والذي سيصبحون فيما بعد خدما <للمور> ( البيظان). وهم يشكلون مكونة اجتماعية كبيرة في موريتانيا حيث يناهز تعدادهم أكثر من 2 مليون نسمة أي ما يزيد على نسبة 50% من مجموع السكان ويتواج معظمهم في الأرياف بحكم نشاطهم الزراعي والرعوي، بيد أن البعض منهم استقر به المقانم على شكل تجمعات قروية خاصة قرب الحقول والواحات أي ما يعرف ( بآدواب) كما يتواجدون في الوسط الحضري خاصة في الصفيح( الكبات والكزرات) في أنواكشوط وانواذيبوا ونظرا للإصطهاد الذي تعرضت له هذه الشريحة وانشغالها في الأمور الزراعية والرعوية بطريقة متعمدة ومقصودة فلم يكن لهم تاريخ مكتوب يشار إليه بالبنان اللهم إلا ما كان شفاهيا أو مرويا خاصة أن جل مؤرخي وكتاب البيظان قد تجاهلوا بشكل متعمد الخوض في تاريخ لحراطين والعزوف عن إبراز خصوصيتهم الثقافية هنا باستطاعتنا أن نبرز بعضا من خصوصياتهم الثقافية، على سبيل الميثال لاالحصر: * سلاقتهم في اللهجة الحسانية رغم لونهم الأسود* حكمة ورزانة أنشطتهم الفلكلورية * تميزهم بآلاتهم الموسيقية
( النيفاره- الغيثاره وحيدة الوتر- الزوزايه- الزقعاره)* العابهم الخاصة التي يتميزون بها مثل: (شات- هيبه) فهذه الإعتبارات تبقى الصفة المميزة لطبقة لحراطين وتبرهن على سيادتهم واستقلالهم وانهم ليسوا مكونة للتكثير العددي الإضافي أو مكونة إضافية للبيظان.
القسم الثاني: مفهموم جامبور: ظهر هذا المفهوم تقريبا في العام:1907م إبان فترة تولي المرحوم يب سيلا زعامة جامبور القديمة أو الدشرة كما يسميها البعض الوافد والذي اكتوى بنار الإضطهاد، فماكان من الفرنسيين أو الإدارة الفرنسية إلا أن التقت ب: يب سيلا وكان آنذاك يزاول التجارة بين أنيور ولعصابه ( جولا) وكان هنالك أفارقة يساعدون الإدارة الفرنسية وبالتالي اقترحوا على يب سيلا الإستقرار كي يساعدهم في تسيير الإدارة فتصبوه حاكما على جامبور رغم أن الإدارة الفرنسية كانت تتعامل في الخفاء مع الأسياد وبالتالي نشأ هنالك كر وفر بين يب سيلا والاسياد والإدارة الفرنسية من جهة سعيا منه إلى تحرير هؤلاء الفارين من ويلات الإضطهاد وقد أسس لهم خيمة كبيرة فأستقر بهم المقام هنالك في القديمة ( أدريسه) وكان يطلق عليها إسم أدريسه أو الدشره، فكان يحكمها يب سيلا بالإضافة إلى معاونيه من جماعة إدوأعلي وأجعافره وعند مجيئ ابن المرحوم يب سيلا التجاني سيلا طالب باسقلال لكصر أو الدشره، لانود هنا أن نسهب الحديث كثيرا في الحديث عن نشأة وتاريخ المدينة وإنما نود أن نرجع إلى موضوعنا المتعلق بجامبور، فالكلمة يعود اصلحا إلى اللغة الولفية كما قلنا وهي تتكون من مقطعين اثنين: أديام وتعني عبد بالولفية أي عبد مولان وبوروتعني ملك أو شِيخ أو أمير، وهكذا تكون كلمة جامبور لها معنيانن الأول مفهوم لغوي( جام) ويعني العبد أي عبد لنفسه أو شيخ لنفسه وبور وتعني شيخ أو ملك ومن ثم فالكلمة اصطلاحا تعني الشخص الذي تمرد وتنكر وتنصل وبتر علاقته بأسياده وأصبح شخصا آخر ولا يتبع إلا لنفسه، لاينتمي لقبيلة ولا عشيرة اللهم إلا قبيلة جامبور أي المتمردين الفارين على أسيادهم،فلولا تلك الجمبرة لم يكن ليكون شِيخا أو ملكا أو أميرا وفي هذا الحال تكون كلمة جامبور لها معنيان : سلبي وهو المفهوم الأول ( بتر كل علاقة مع الأسياد)، ومعنى إيجابي ويعني مواصلة جامبور في خدمة أسيادهم والإرتباط بهم وعدم التمرد عليهم مع المحافظة والبقاء الابدي تحت السيطرة لأنه كما يقول< جنة العبد تحت أقدام سيده> وهي خدعة واكذوبة ظلت تقيد العبيد وتبقيهم تحت خدمة الاسياد مرددين المقولة القديمة الجديدة (أجماع فيه حرطان ما ينفظح فيها بيظان) وغيرها من المقولات التي تصفد وتقيد العبيد من التمرد على أسيادهم، وهكذا فجامبور تعني أيضا العبيد الذين نأوا بأنفسهم وخرجوا على طاعة ومألوف أسيادهم ( أمجمبر) إنه اضحى عبدا يملك نفسه بنفسه ( عبد ماه عبدك أنت أو هو سيان)ن وهكذا حسب الوجيه والسياسي ضغيرو ولد السالك يعتب مفهو جامبور يعني العبيد والحراطين الذين مورست عليهم شتى أنواع الإضطهاد فطفقوا يبحثون عن من يحميهم فوجدوا ضالتهم في المرحوم يب سيلا ومن بعده ابنه التجاني سيلا فكان بذلك مؤسس المدرسة أو الخيمة الجامبورية في القديمة والمؤطر الروحي لها.
مآلات لحراطين بشكل عام وجامبور كيفه بشكل خاص: ما يمكن قوله بعجالة إن قضية لحراطين مرتبطة جدليا بالعبودية والغبن والتهميش وبغية البحث عن العدالة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية فإن هذا الثالوث إذا لم يطبق على ارض الواقع وإنزاله من عالم المثل الإفلاطوني إلى عالم المثل الواقعي فلن يكون هنالك انسجام ولا تعايش سلمي بل ولا تحقيق سلم أهلي ووئام مدني فما بالك بتحقيق مملكة الدولة الراعية لمواطنيها الخادمة لهم ، فمنذ الأحكام المتعاقبة على الدولة الموريتانية وقضية العبودية لم تراوح مكانها، لازالت موجودة وحتى أن السياسة التي تعمل الدولة على تنفيذها بغية إزالة هذه الظاهرة إنما هي سياسة ذر الرماد في العيون، هذا على مستوى كل الصعد خاصة التعيينات وتقسيم الثروات الوطنية، وما قضية جامبور القديمة ببعيدة مما ذكرنا فهم يتوقون لعدالة تنصفهم في التعيينات ، في المجال الأنتخابي وجعلهم قياديين لامنقادين ولم يتح لهم ذلك إلا بإحياء مفهوم الجمبير وتمثل ثقافة جامبور كي يتميزوا كمكونة مستقلة وليست آخر، هذه الآخرية التي تجعلهم تابعين لاقياديين وذنبا لارأسا، فهل نحن اليوم بحاجة إلى إحياء ثقافة جامبور أم لا؟ سؤال وددت أن يفتح النقاش بغية إثراء الساحة الثقافية ذات الخواء الفكري النقاشي. السلام عليكم ورحمة تعالى وبركاته.
إعداد ذ/ والباحث الإجتماعي السيد ولد صمبا أنجاي
كيفه بتاريخ: 04/08/2014