بدأ العد التنازلي للمأمورية الأخيرة لرئيس الجمهورية، بعد أن أسدل المجلس الدستوري الستار على انتخابات 21 يونيو المثيرة للجدل. تم احترام الأجل الدستوري والإجراءات الشكلية لتنظيم الانتخابات، غير أنه تم خرق مبدأ حياد الدولة كما تم التساهل إلى حد بعيد في توفير حد أدنى من الضمانات يتيح مشاركة أكبر قدر من الفاعلين في المنافسة الانتخابية.
تحولت الانتخابات إذا إلى هدف وتم تجاهلها كآلية لتجاوز الصراعات السياسية واكتساب الشرعية ومحاسبة الحاكم، فلم تضف جديدا يذكر باستثناء تكريس زعيم الحركة الانعتاقية كرقم جديد في المعادلة السياسية الوطنية التي بقيت مشحونة بالزيف والرياء ومحفوفة بالمجاهيل والمغامرات. فاز الرئيس بالفعل، غير أن الصراع السياسي مستمر في التفاقم أكثر فأكثر والاستقطاب العرقي يحتل شيئا فشيئا مساحات أوسع كما أن فورة المظالم الاجتماعية لا تهدأ إلا لتتصاعد مجددا بدفع من قسوة الواقع ومن الآمال الخائبة والوعود المؤجلة، وكأنه علينا أن ندفع حساب مرحلة من أبرز ما ميزها الادارة غير الموفقة للصراع الاجتماعي.
انتهت اللعبة الانتخابية من دون أن تفلح في وضع خط فاصل بين الرئيس المترشح والرئيس المنتخب، من دون أن تعطي المتنافسين مع الرئيس المرشح "حظوة الشك" التي تمنحهم ولو أملا خادعا، وحتى من دون أن تنجح في جعل الرئيس المنتخب يشعر بالحاجة –بعد إعلان النتائج- إلى توجيه كلمات شكر ولو محدودة لمن انتخبوه.
انتهت اللعبة من دون أن تترك سوى خطاب "ببغاوي" حول "تجديد الطبقة السياسية" يخلط بين التجديد والتأييد وبين السياسة والصعلكة، خطاب مبتور يتجاهل القوانين التي تحكم الحركة والتطور ويستسلم لإغراء "قانون القوة" بكل خيلائه وعجرفته، خطاب يبيع وهم تجديد الطبقة السياسية لساسة مزيفين عاجزين حتى عن صياغة برنامج انتخابي جدي يظهر احترام مرشحهم لناخبيه ووعيه بأهمية مضمون العقد الذي ينبغي أن يربطه بشعبه؟
عن أي تجديد يمكن أن يجري الحديث ومن خلال أية وسائل؟ أهو تجديد هذه الموالاة "البليدة" التي تنفق من الجهد في الصراع فيما بين أجنحتها أضعاف ما تبذل لنصرة زعيمها؟ أم هو تكريس هذه "النخبة الحملاتية" التي تترك مرشحها من دون خطاب مرغما على التكرار الممل والمهين أحيانا لإعلان دعائي غير موفق سبق لوزيره الأول قراءته أمام البرلمان؟ وأيهما أولى بالتجديد: أهي "الطبقة" التي يجهلها التاريخ وتأخذ صفتها السياسية من جاهزيتها للتماهي مع "السلطة"، أم تلك التي تصنع التاريخ وتأخذ شرعيتها من بعدها عن السلطة وسخطها عليها؟ لا أحد يجهل أن التجديد حاجة مجتمعية، غير أنه حين يكون للأسوأ يفقد مضمونه الايجابي. وسيكون من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن المراسيم باستطاعتها أن "تقتل" الطبقات أو بأن خسارة معركة معينة تعني القضاء النهائي على طبقة سياسية سبق وحفرت مكانتها في النظام السياسي للدولة.