وانفض سامر الانتخابات الرئاسية الموريتانية، واستوت سفينة الوطن على جودي ولاية جديدة للرئيس الجديد القديم محمد ولد عبد العزيز، وهي ولاية تمتد على مدى خمس سنوات، وبالرغم من أن الرجل استطاع اكتساح الانتخابات بنسبة فاقت الثمانين بالمائة، إلا أن نسبة المشاركة المتوسطة، والحديث المتكرر عن حالات تزوير خاصة في مناطق الريف، بالإضافة إلى الجدل الصاخب الذي واكب هذه الانتخابات كلها أمور جعلت المخاض عسيرا، ولكن الولادة تمت في النهاية وفاز الرجل في انتخابات لا توجد طعون جادة تشكك في شفافيتها على الأقل من الناحية الإجرائية...
ولعل السؤال الاكثر إلحاحا ونحن في بدايات ولاية جديدة للرئيس عزيز، سيكون، وماذ بعد؟؟ بمعنى كيف يتعاطى الرجل المنتشي بنصره مع أغلبية سياسية تتوزعها الولاءات رغبا ورهبا، ومعارضة عنيدة اكتسبت زخما لا جدال فيه بسبب استجابة الموريتانيين النسبية لدعواتها للمقاطعة، وهما طرفان ينضم إليهما طرف جديد وهو المرشح الحاصل على الترتيب الثاني بيرام ولد اعبيدي، والذي سيشكل على مدى السنوات المقبلة رقما مهما في المعادلة السسياسية الموريتانية، خاصة إذا تخلى الرجل عن خطاب مرحلة ما قبل الزعامة السياسية، ولبس للحالة الجديدة لبوسها المتمثل في مزيد من اللين والسعي للتوافق والتقارب مع أطياف المجتمع كافة...
كثيرون يرون في شخصية الرئيس عزيز الاندفاعية نوعا ما، وخلفيته العسكرية الصارمة، أمور تدعوهم إلى توقع أن يمعن الرجل أكثر في تجاهل معارضيه، والاستهانة بمناصيره حتى، مديرا البلد بعقلية "مافي البلد، إلا هذا الولد"، مما يعني تجاهل أي دعوات جديدة للحوار من قبل المعارضة ، والرفض المطلق لتقديم أي تتنازلات حتى ولو كانت شكلية في سبيل خلق حالة وفاق في بلد تحيطه بقع زيت كثيرة، ولا يحتاج سوى عود ثقاب كي يشتعل..
ويحاجج أنصار هذا الرأي بالقول إن الرئيس عزيز في ولايته الجديدة ربما يكون اكثر رفضا للتعاطي مع الزعامات السياسية المعارضة، مع الانفتاح الشكلي على الشباب، والسعي للظهور بمظهر المجدد للطبقة السياسية في البلد، وهم يرون أن السبب في حالة "التجاهل المتوقعة" هذه، هو وثوقية الرجل أن لا أحد قادر على تهديد كرسيه سوى قادة الجيش الذي يرتبط بكبارهم بعلاقات متينة تصل أحيانا حد التماهي كما هي حال علاقته العصية على الاختراق مع الجنرال غزواني قائد الجيوش..
ولئن كان لهذا الطرح بعض الوجاهة، إلا أن ثمة آخرين يرون أن الرجل ربما يتصرف بطريقة مختلفة تماما، ويتعامل بعقلية المنتصر فاتحا بابا جديد للتغاضي عن خلافات ما بعد الانتخابات، سعيا إلى إشراك أكبر قدر من الطيف السياسي في إدارة شؤون البلاد، وذلك تجنبا لحالة اختقان داخلي ربما تؤدي إلى انفجار، خاصة أن الظروف الاقتصادية الصعبة للممواطنين ، والوضع الإقليمي الهش أمنيا، كلها أمور تجعل أي هزة داخلية قابلة لأن تتحول في لحظة واحدة إلى زلزال لايبقى ولايذر، ومن هنا يتوقع هؤلاء أن تشهد فتر ة ما بعد الانتخابات حالة هدوء سياسي يعقبها سعي حكومي لإعادة إطلاق عجلة الحوار، وقد يكون حل البرلمان الحالي والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، هي الجزرة التي سيسعى من خلالها عزيز لإغراء المعارضة الممانعة.
ولعله من نافلة القول، التأكيد على أن الانسان الموريتاني العادي، يأمل أن يتجه الرئيس عزيز للخيار الثاني، وأن يستغل ولايته الجديدة، في إطلاق دينامكية حوار سياسي ومجتمعي، يضع النقاط على الحروف، ويداوى جراحات الماضي بحكمة واعتدال، مع فتح نوافذ المستقبل أمام الموريتانيين التواقين إلى رؤية بلادهم وهي ترقى في مدارج التنمية، في أجواء سلم اجتماعي وهدنة سياسية تمكن الجميع من المشاركة كل حسب موقعه..
وفي غمرة الحديث عن سيناريوهات ما بعد انتخاب عزيز، تجدر الإشارة إلى حديث الرئيس لإذاعة فرنسا الدولية والذي لمح فيه إلى إمكانية تغيير الدستور والترشح لولاية ثالثة، وهو تصريح كاشف، ينبغي للرئيس عزيز والمقربين منه أن ينتبهوا إلى خطورته، فموريتانيا كما علمونا في المدارس هي "جمهمورية"، والتفكير في تحويلها إلى ملكية . حتى ولو بطريقة مهذبة شكليا، سيكون "قفزة في الظلام"....
*نقلا عن صحيفة "رأي اليوم" اللندنية