أين نحن من عزة شيوخ قبائلنا، والرحمة في قلوب وجهائنا، حين يدعون الناس إلى الضيعة، والتحلي بأخلاق السفلة، فهذا شيخ يتنكر لمن خطف الأضواء بحزبه فأختار الانتجاع على لقاء رئيس حزبه ، والتودد للعسكر على مجاملته، وصرم حبل الود معه على وصله، وأوعز إلى أنصاره بإعلان دعمهم لمحمد عبد العزيز،ولولا رويتب أناله من الجمعية الوطنية لأعلنت استقالتي من هذا الحزب وجئتك مهرولا يا عزيز حتى ترضى ، يقول لسان حاله . وهذا شيخ يفسد وده مع جيرانه، ويقطع رحمه ، ويضارب الخصوم ، ويحشد الجموع، عسى أن يحظى بالاستئثار لديه . وهذا شيخ آخر يجمع ملايين لجلب الأصوات، من كل حدب وصوب لصناديق الاقتراع ، ليكبت خصومه ، فقد غمزوه بخفة وزنه وضعف تأثيره،حبذا لو أن الملايين للجوعى من حوله يصرخون ، والمرضى من حوله يتضرعون . وهذا شيخ وإمام مسجد من بيت علم مرموق، يزعم بهتانا و فرية أن ولاية بأكملها سوف تصوت قاطبة لمرشح واحد، كأن المرض وملك الموت بيده، ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) ،وكذالك قل ما شئت .
أعرف أن هؤلاء أفضل وأشرف من هذا، إلا أن ( الاستبداد يرغم الأخيار على ألفة الرياء والنفاق )، لصناعة دنياهم، في ظل نظام إقصائي شمولي ، جوع الناس في حقوقهم ، وأفشى الغبن في معاشهم،والتهميش في وظائفهم،والتسييس في غاياتهم النبيلة، فغلاء المعيشة مع تدني الراتب ما هو إلا كنار في هشيم أقواتهم ، فوجود بعض الزيادات الخجولة التي يتبجح بها النظام ما هي إلا براميل من البرستمول ، لتهدئة خاطر الموظف وملاطفة بؤس حاله .
فالاستبداد يتزلف للمواطن بالسراب، ويعزف له على الخراب ، ويدغدغ مشاعره بأحلامه وأمانيه في الحرية والتنمية والكرامة ، بل يبتهل للخارج ولو بخراب وطنه ،فأمنية الطغاة في العدالة ورجالها أمنية شاعر أم عمرو : ذهبت أم عمرو بالحمار فلا رجعت ولا رجع الحمار .
نحن في أجواء حملة انتخابية أحادية، تبحث عن تزكية نظام مفلس تستغل لها ( لجنة الانتخابات المستقلة )، هل تصدق بأن بعض مكاتبها يشرف عليه من لا يقرأ ولا يكتب، وهذه اللجنة تريد منك أن تصوت على برام، الذي أحرق الكتب، وصار إبراهما الذي أفسد حزبه بالأنانية، وأن تصوت على مخلفات ول الطائع في بيجل، أو عسكري يتمنى أن يشيب على الكرسي، كما شاب بتفليق.
أما المقاطعة التي تعني نبذ أحادية القرار السياسي الذي نعيشه اليوم،و رفض إقصاء الفرقاء السياسيين، وغياب التوافق، وتبديد الثروة ،والمقاطعة التي تعني الرغبة في العدل والتناوب في السلطة فهذه رغبة يشمئز منها النظام وأنصاره من الخارج .
لقد صارت في عهده اللغة العربية، والوحدة الوطنية، وبناء الوطن، والانفتاح السياسي وحفظ المقدسات، تحتاج إلى إجماع وطني رصين، ينشده المواطن و يلتمسه في ظل حكم رشيد، يرشد المشرف ويلجم المسرف .
فلا نغالط أنفسنا يوم الاقتراع ،فالمنازلة بين اثنين أحدهما بيده سيف وعصى ،والآخر بيده عدل ينشده وسلام ، بل المنافسة بين فسطاطين، عسكري ومدني، والبقية للديكور وحسن الإخراج ،فأختر عسكريا في زي مدني يريد منك التصويت والخلود في الحكم ، ولو أراد غير ذالك لعزله أصحابه كما عزل الشاذلي في الجزائر، وإن شئت المنتدى الديمقراطي أن تختاره فهو يريد منك المقاطعة وأن يكون صندوق اقتراعك في ملازمة بيتك.