في خريف "2008 " الملتهب بالأزمات والآهات كانت ديمقراطيتنا الوليدة في غرفة "الإنعاش " تتلفظ أنفاسها الأخيرة , حينها قضى الجنرال بفعلته الشنعاء على باكورة الديمقراطية وبيضة الحرية وعلى الأمل في موريتانيا بدون أصحاب النياشين ,,
على فداحة الحدث وعظم الفاجعة فقد سلمنا بالمنقلب رئيسا علينا, وبايعته الجموع جهارا نهارا على الولاء والطاعة كما فعلت مع أسلافه وعلى طريقة "تملق أكثر تغنم أكثر " اعتبره الناعقون خلف كل منقلب فاتح موريتانيا الجديدة .
في الطرف الآخر ظن فقراء البلد المساكين أن ابن عبد العزيز سيوفر لهم التعليم المجاني وسيمسح بيده المباركة آهاتهم وأمراضهم المزمنة التي تعاقب عليها العقداء و المقدمون دون أن يقدموا لها وصفة تقضي على جيوب الفقر والجهل في بلاد عرفت يوما بأرض العلم والعلماء , لكن بعض العسكر حولوها إلى أرض يباب لا تنبت زرعا و لا تسقي ظمآنا إنها لعنة أولئك العسكر، حلت بهذه الأرض المباركة .
أمضي فقراء البلد دهرا وهم يثقون في "عزيزهم " وشعار ات ووعود رئيسهم القديس و يعتبرون أن التغيير قادم لكن آمالهم تضاءلت واضمحلت بعد تنصيب الجنرال فاختفي شعار "محاربة الفساد " إلى حين , وانتكست راية "موريتانيا الجدبدة " و النامية لتظهر مكانها موريتانيا ضعيفة مقزمة متصارعة مع ذاتها ومع محيطها فقيرة تسلم أبناءها للأهوال وتقضي على كل حالم سولت له هواجسه يوما أن يحلم بها مختلفة ..
لنرجع إلى أحداث هذ العام ونرسم لوحة لملامح حكم الجنرال الذى يهوَى مناصروه أن يجعلوا من حقبته "عصر البلاد الذهبي "
في بداية الحول كانت هجمة بدر الكبرى التي أردي فيها "الرجاء " جريحا ملطخا بدمائه على قارعة شارع مظلم من شوارع مدينة العزيز البائسة,
كان بطل "الهجمة " بدرا" لهذا كان السجن مريحا وتحولت مفوضية الشرطة إلى فندق من خمس نجوم لكن خسوف البدر لم يطل إلا أياما وتحركت لوبيات القبائل و الواسطات من أجل إطلاق سراح بن الرئيس .
حينها قامت الدنيا ولم تقعد لتنقذ ابن الرئيس من حبل المشنقة أو السجن لسنين ’ فحدثت الكارثة و افتديت الرجاء بفدية "دجاجتين " هما ثمن دمائنا في دولة العزيز , خرج البدر معززا مكرما .
انتهي فصل من مغامرات ابن "الجنرال " المدلل ,لكن المفارقات أن كثيرين من أبناء الوطن الذى طحنهم الفقر والجوع يتمنون رصاصة طائشة من البدر "الطائش " لعلها توفر لهم الدواء في دول مجاورة, ستكون ارحم بهم من المستشفى الوطني الذى تحول إلى معبر للموت أو العجز مدى الحياة.
كم هي جميلة موريتانيا الجديدة وهي تضرب أكبر أمثلة العدل والمساواة ..
عاد في اليوم الثاني نواب الأغلبية في حركاتهم التي تذكرك بحركات وهرطقات وزراء "نابليون الحقير " الذين كانوا يزينون له كلما أنهى حربا أن يد خل في أخرى لكي يجنوا ثمارها ,هكذا وعلى نفس الشاكلة تباهي نواب الأغلبية بعدالة حكومتنا الموقرة.
كم هو مؤلم أن يحبس ويشوه سمعة يعض أبناء الوطن من أمثال " مولاي العربي , وولد خطري وغيرهم كثر" و لا تترك الفرصة للعدالة لتؤدب فتي غرا خرج عن طوره وانتهك حرمة القانون فقط لا لشيء إلا لأن الأقدار شاءت أن تكون طينته عزيزية .
بعدها بأسابيع أقدم ذلك الفتى المثقف و الحالم الذى أفنى زهرة شبابه وهو يدرس فن الترجمة ليأخذ شهادتها بامتياز قبل أن تقذفه الأقدار إلى جحيم التعليم و إلي أقصى نقاط البلاد , طرق كل الأبواب و كل الوساطات توسل إلى الجميع ليحول إلى نقطة تقربه من والدته المريضة , قبل أن يوافيها الأجل , قرر الفتى أن يوصل رسالته بطريقته الخاصة وعلى نمط البوعزيزي ,قضي "ابن بزيد " نحبه أمام الرئاسة ووصلت رائحة رماده إلى باقات وحدائق بارون موريتانىا إلا أنه لم يفهم الرسالة فرماد دحود وبزيد "رحمهما الله " سيحرقان صلفه وغروره يوما طال الدهر أم قصر .
هكذا علمتنا دروس التاريخ وعبره و تلك هي سنة ربيع الشعوب وخريف الحكام
قبل ذلك بأسابيع وفي ليلة مظلمة تسللت وحوش الظلام إلى غرفة أحد حماة الوطن وأخذته بعيدا إلى الصحراء لتذيقه سوء العذاب ,,ظننا ان الجنرال سيحرك ساكنا و أن جيشنا الباسل الذى تعودنا على سرعة انقلاباته سيدك حصون "القاعدة" ليرد ابن مختار إلى حضن كريمة "مشظوف" وزجه الحامل و أسرته التي لا تملك سواه ,كما فعلوا مع الفرنسي وقبله مع الا سباني لكن لا شيء حدث ولا هم يستحون .
تتردد أمك المكلومة على القصر الرمادى مستنجدة بسيده أن ينقذك فيرد وزير خارجيته بوقاحة لم يسبق لها مثيل أنك خلقت ودخلت الجيش و انت تعرف أنك يمكن أن تقع في الأسر أو حتى أن تسقط قتيلا , لهذا بالنسبة لسيادته فالأمر لا يتطلب كل هذا التهويل والتضخيم .
قيل لنا أن الجنرال "مشكورا " تكرم أخيرا بإطلاق سراحه لكن كريمة مشظوف لم تضم ابنها المكلوم حتى كتابة هذه الكلمات , فهل تكون القصة كلها مفبركة ويضيع ولد مختار في حسابات الكبار.
قبل أيام خرج شباب حالمون مسالمون في ذكرى ميلاد حركتهم "25"فبراير فكان مصيرهم الضرب والتنكيل و أن تدوسهم أقدام شرطته العرجاء ذنبهم الوحيد أنهم أحبوا الوطن و حلموا أن يروا الجنرال خارج القصر الرمادي، مع آخرين في ثكناتهم معززين مكرمين .
ليس بعيدا منهم نكل بخيرة خريجي المحاظر في موريتانيا بعد أن خرجوا يطالبون بفتح التسجيل في أعرق صرح تعليمي في موريتانيا ,التي أصبح التعليم أحد أعداء حكامها الجدد وسلعة تباع وتشترى .
فجامعتنا اليتيمة معسكرة و المعهد مغلق و الطلاب ما بين سجين سابق أو طريد أو مضرب .
ثم يدعون بعد ذلك أن التعليم بخير في ظل الجنرال, يا للمفارقة يحتاج المواطن الموريتاني إلى تجرع أقراص "النسيان" كلما شاهد أحد وزراء العهد الجديد لعله ينسي كذبهم البين وتزلفهم المقيت .
مهلا أيها الجنرال أعد تفكيرك و غير بطانتك و أغث نفسك فقد أوشك حكمك على التهاوي وقد بلغ السيل الزبى :فقر مدقع ,وبطالة مرتفعة ,وشباب يحترق , وجيش يختطف ,وموالاة عيية , ومعارضة لا ترحم ..
أمامك خياران "جنرالنا العزيز " إما أن تصلح من أمرك ما استدركت وتلك غاية بعيدة المنال , أو تعد رحالك وتودع "هريرتك " فقد أزف الرحيل ولسان حالنا اليوم يقول لك وللعصبة التي تحكمنا منذ ثلاثة عقود :
فخذوا حصتكم من مالنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص..و انصرفوا
وعلينا ،نحن، ان نحرس ورد الشهداء
و علينا ،نحن، ان نحيا كما نحن نشاء
خذوا معكم آهاتنا و دموعنا وعلاتنا وأزماتنا وفقرنا و جهلنا وبطالتنا وتخلفنا فهي محاسنكم التى خلفتم لنا منذ أن استوليتم صباح يوم مشؤوم على مقاليد الحكم في البلاد .
مهلا أيها الجنرال فلكل فارس كبوة و لكل سياسي نزوة ولكل منقلب سقطة قد تهوي به إلى أسفل سافلين..
كاتب موريتاني