الأحاديث والأحداث في بلدي تعاد بشكل ممل يبعث على الغثيان والتململ فاليوم نعيد كلام الأمس ونعيش أحداثه. تعيش موريتانيا الاَن على وقع انتخابات في ظل أجواء مضطربة ...انتخابات تقاطعها كل أطياف المعارضة، ويصر النظام العسكري الحاكم على السير في أجندتها الأحادية والاستمرار في خطته الهادفة إلى تفريغ الديمقراطية من أي مضمون، وتمييعها حد التفاهة.
فرغم أن المعارضة التلقليدية تنازلت عن مطالبتها برحيل النظام، في خطوة لم تكن مقنعة للشباب الثوري الطامح للتغيير الجذري وسقوط حكم العسكر، وأن بعضها شارك في الانتخابات التشريعية الماضية، وغدر برفاقه في اَخر لحظة، وقدم كل أشكال التنازل الا أن النظام لم يحاول أن يتنازل قيد أنملة.
فقد ظل يحاول أن يلعب بالزمن لصحاله، ففي آبريل من العام الجاري دخل في حوار مع منتدى المعارضة الديمقراطية، الذي يمثل الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة المعارضة في موريتانيا، بالاضافة إلى بعض هئيات المجتمع المدني. لكن النظام رفض أن يرضخ لأي من مطالب المنتدى وأن يوفر أي ضمانات لانتخابات نزيهة، وأعلن عن تنظيم الانتخابات الرئاسية في وقتها، أي ٢١ يونيو ٢٠١٤ وهو ما اعتبره المنتدى ضربة لأي فرصة للحوار والتلاقي. فشل الحوار بين المعارضة والنظام انعكس بشكل واضح على طبيعة المترشحين، فلم تترشح أي شخصية من أحزاب المعارضة للانتخابات واختصرت قائمة المترشحين على الجنرال محمد ولد عبد العزيز ومن يدورون في فلكه. حتى أن الأحزاب المحسوبة على المعارضة التي شاركت في الانتخابات التشريعية قاطعت الرئاسيات، والسبب هو معاناتها أثناء الانتخابات التشريعية التي شهدت خروقات جسيمة وتزويراً فاضحا.
حالة الانتخابات الحالية جعلت المعارضة الموريتانية موحدة وفي قطب واحد مناهض للانتخابات. لكن هل سيستمر هدا الاتحاد ؟
باعتقادي أن المشهد المعارض في موريتانيا ليس على نفس الدرجة من التحليل والاصرار، فهناك بعض الأحزاب المعروفة بباركماتية قادتها، وحتى أن البعض يشكك في معارضتهم للنظام، يكفيها أن يقوم النظام بتأجيل الانتخابات لبعض الوقت وأن يعيد هيكلة اللجنة الوطنية للانتخابات، مما يعطيها مبرر تسوقه للجماهير المعارضة، وهو أن النظام قد انصاع لبعض مطالبها، وستخدل لامحالة في الانتخابات معه وتكون ورقته التي يشرع بها انتخاباته.
وهناك بعض الأحزاب وصلت عبر تجاربها مع النظام العسكري ونقضه للعهود إلى أن الانتخابات في موريتانيا لا تعدو كونها لعبة يشرع بها النظام العسكري نفسه ، وأنه يستخدم المعارضة ليضفي بعض مساحيق الديمقراطية على نفسه، وأن الحل يكمن في توقف تدخل الجيش بشكل واضح في المشهد السياسي الموريتاني، وتوقف استخدام موارد الدولة لدعم مرشح الجيش. هذه الأحزاب أرى أن مشاركتها في الانتخابات ستكون صعبة جداً، لذلك لا أرى أن أمامها سوى التغلغل في الشارع بشكل أكثر تأثيراً، حتى تخلق حراكاً أكثر فاعلية، ليكون بداية لاجبار العسكر على الرضوخ لطموحها في دولة مدنية ديمقراطية حقيقية.
وأرى أن عليها أيضا أن تطور من أساليبها النضالية، وتمد اليد أكثر للحركات الشبابية المناهضة للحكم العسكري وتبدأ التعامل معهم حتى توسع جبهتها. هذه الأحزاب سيدعمها أيضا وجود بعض الأحزاب المعارضة التي لاطموح لها في الرئاسة، والسبب في ذلك أنها لم تحقق بعد الانتشار الجماهيري المطلوب للمنافسة مما جعلها تصب اهتمامها على الانتخابات التشريعية .
لذاك أظن أن الانتخابات قد تشهد تأجيلاً يصب في مصلحة النظام، لأنه قد يضرب اتحاد المعارضة الموجود حالياً ، وسيزيد من دائرة المترشحين في الانتخابات الرئاسية مما يضفي عليها بعض "الشرعية" التي يستطيع النظام أن يسوقها لحلفائه في الغرب، وهم الداعمون له أصلا، حيث يعتبرونه يدهم في محاربة الإرهاب في المنطقة، ومن أجل ذلك يتغاضون عن أزمة الديمقراطية في موريتانيا، ويرضون بعمليات التجميل الباهتة والحلول التافهة الغير حقيقية.
أحمد ولد جدو
نقلا عن: CNN