قرأت وأنا صغير، أن أول ما يَجبُ على المكلف تصحيحُ إيمانِه ثم مَعرفة ما يُصلحُ به فرض عينه كأحكام الطهارة والصلاة.. ويجبُ عليه أن يحافظ على حدود الله ويَقفَ عند أمره ونهيه ويتوبَ إلى الله قبل أن يسخط عليه، وشرط التوبة الندم على ما فات، والنية أن لا يعود، وأن يترك المَعصية في ساعتها إن كان متلبسا بها، ولا يَحلُ له أن يؤخرَ التوبة، فذلك من علامات الشقاء والخذلان وطمس البصيرة عن الإيمان.
تعلمت أن المُسلم يَجبُ عليه حفظ لسانه من الفحشاء والمنكر والكلام القبيح وأيمان الطلاق، وانتهار المُسلم وإهانته، وسبِّه وتخويفه في غير حق شرعي، كما يَجبُ عليه حفظ بصره عن النظر إلى الحرام، ولا يحل له أن ينظر إلى مسلم بنظرة تؤذيه، إلا أن يكون فاسقاً فيجبُ هجرانه، ويجبُ عليه حفظ جميع جوارحه عن الحرام، وأن يحبَّ لله ويبغض له ويرضى له ويَغضَبَ له، ويأمرَ بالمعروف وينهى عن المنكر.
تعلمتُ أن المُسلم يَحرمُ عليه الكذبُ والغيبة والنميمة والكبرُ والعُجبُ والرياءُ والسُمعة والحسَدُ والبغضُ والسُخرية والزنا والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها وأكل أموال الناس بغير طيب نفس والأكل بالشفاعة أو الدين وتأخير الصلاة عن أوقاتها.
تعلمت أن المُسلم لا يَحلُ له صُحبة فاسق ولا مُجالسته لغير ضرورة، ولا يطلبُ رضا المخلوقين بسَخط الخالق، ولا يحل له أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بالمُتبعين لسنةِ النبي صلى الله عليه وسلم الذين يَدلون على طاعة الله، ويحذرون من إتباع الشيطان، ولا يَرضى لنفسه ما رضيَه المفلسون الذين ضاعت أعمارُهم في غير طاعة الله تعالى.
بيْدَ أنني لما كبُرتُ وفتحت عيني على الواقع، رأيتُه عكس ذلك - للأسف - وهو أنَّ أولَ ما يفعلُه المُكلف أن يشك في الوحدانية ويترك فرض عينه، ويتعدى حدود الله ولا يقفَ عند أمره ولا نهيه ولا يتوبَ إليه قبل أن يَسخط عليه، ويؤخر التوبة ويُسوفَ بها، ولا يندمُ على ما فات من المعصية، ولا يتركها في ساعتها إن كان متلبسا بها.
رأيتُ المُسلم لا يَحفظ لسانه من الفحشاء والمنكر والكلام القبيح وأيمان الطلاق، وينتهر المُسلم ويهينه ويسبُّه ويخوفه في غير حق شرعي، ولا يَحفظ جوارحَه ولا بصره عن الحرام، يتعالى على أخيه وينظرُ إليه بنظرة تؤذيه، لا يأمن جاره بوائقه بل يرميه بالقاذورات ويقذفه بالقمامات، ولا يحبُّ ولا يبغض ولا يرضى ولا يَغضَبُ إلا تبعا لهواه، يأمرُ بالمُنكر ويَنهى عن المَعروف.
رأيت المُسلم قد اضمحلت أخلاقه بعوامل الزمن وانهَدمَت بمَعاول المِحن، فهو يُدمن على الكذبُ والغيبة والنميمةِ ويَتخلق بالكبرِ والعُجبِ والرياء والسُمعة والحسَد والبغض للناس والسُخرية منهم.
رأيته يُمارس الفواحش وينظر إلى الأجنبية ويتلذذ بكلامها ويأكل أموال الناس بغير طيبِ النفس عن طريق الشفاعة والمُحاباة والرشوة والاختلاس والسلب والنهب والتحايل.
رأيتُ المُسلم يتنكرُ لإخوانه ويعتبرُهم أصل بلائه فهو يَهجرُ المُسلمين ولا يُجالسهم ويَصْحَبُ الفاسقين ويُعانقهم، ويطلبُ رضا المخلوق بسَخط الخالق، ويتزلف إلى الطغاة بألفاظ التملق ويتقرب إليهم بأسباب التعلق، يفعل الأفعال الحرام، وهو يعرف حكم الله فيها، ولا يسأل العلماء ولا يقتدي بهم.
تعلمت أن الطلاق أبغض الحلال عند الله لكنني حينما كبرت رأيت المسلم يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي وأنت طالق ثلاثا.
قرأت وأنا صغير قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا..).
لكنني لما كبرت رأيت المسلم لا يرقب في الناس عهدا ولا ذمة ولا يفي بعقد ولا يلتزم بعهد، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. قرأت قول الله عز وجل (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ…) لكني لما كبرت رأيت المسلم لا يتعفف عن الفواحش والمسلمة سافرة عاهرة كاسية عارية قد نزعت جلباب الحياء.
قرأت الحديث الشريف: "لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو علمه فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم" لكنني حينما كبرت رأيت المسلم شيطانا أخرس لا يقول بحق ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، يتمالأ مع المفسدين ويتواطأ مع الظالمين.
تعلمت وأنا صغير أن لا عنصرية في الإسلام ولا محاباة في السنة، ولو لم يكن الأمر كذلك لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة من بنت عمه، ولما أدخل الله أبا لهب النار وكرم بلالا بالجنة قال تعالى متوعدا أبا لهب عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ولقوله صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ» وقوله: «أَنْتُمْ بَنُو آدَم،َ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ» وقوله «إنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بنوا آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لم تملئوه، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، حَسْبُ امْرِئٍ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيئًا بَخِيلا حَلافًا» وقَوله «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْضُوهُ بِهِنِّ أَبِيهِ وَلاَ تُكَنُّوا».
وقَول أبي ذَرٍّ: إِنِّى سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» متفق عليه
وقوله صلى الله عليه وسلم:«الناس سواسية كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه، ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له» حديث ضعيف ولكن يوجد ما يعضده ويقويه
لكنني حينما كبر رأيت المسلم يفتخر بلونه وعرقه ويتعالى على الناس بأمجاد أجداده الذين أكلتهم التراب منذ قرون، وهو واقع يعكس ما يعيشه المسلم من تناقض خطير مع ذاته وتعاليم دينه.