ساهم انتشار التلفزيون في النصف الثاني من القرن الماضي في تغيير الكثير من عادات البشر على اختلاف ثقافاتهم ومستوياتهم الاجتماعية. وبطبيعة الحال فإن هناك آلاف الدراسات التي تناولت آثار مشاهدة التلفزيون سواء النفسية والاجتماعية أو الصحية للأعمار المختلفة. وقد تناولت أحدث دراسة نشرت في مجلة طب الأطفال the journal Pediatrics في شهر أبريل (نيسان) من العام الجاري، آثار قضاء الساعات الطويلة أمام التلفزيون وقلة عدد ساعات النوم للأطفال. وكانت الدراسة التي قام بها باحثون من مستشفى ماساشوستس العام Massachusetts General Hospital وكذلك من جامعة هارفارد الأميركية قد أشارت إلى أن الأطفال، وبشكل خاص أطفال الأقليات العرقية، الذين يوجد جهاز تلفزيون في غرف نومهم ينامون فترة أقل من أقرانهم الآخرين. ومن المعروف أن أهمية النوم كبيرة جدا بالنسبة للأطفال الصغار، إذ إن نمو الجسم وكذلك نمو المخ يحتاج إلى الراحة والنوم. * دراسة طويلة الأمد * تعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها من حيث أنها دراسة طويلة الأمد وأكدت ما سبق الإشارة إليه في الكثير من الدراسات قصيرة الأمد التي تناولت نفس الموضوع وهو علاقة المشاهدة بالنوم. وتتبعت الدراسة 1800 طفل من عمر ستة شهور وحتى ثماني سنوات مع أمهاتهم لمدة طويلة لمراقبة صحة الطفل من مرحلة ما قبل الولادة وهو جنين وحتى بلوغه سن الثامنة وتعرضه للكثير من العوامل التي يمكن أن تؤثر على صحته. ولإتمام هذه الدراسة الطويلة الأمد أجابت أمهات الأطفال على عدة أسئلة حينما كانت أعمار الأطفال ستة شهور ثم بعد ذلك كل عام ولمدة سبع سنوات متتالية. ودارت هذه الأسئلة حول عادات مشاهدة أطفالهن التلفزيون، وإذا كانت غرف الأطفال يوجد بها تلفزيون من عدمه، وعدد ساعات المشاهدة، والوقت الذي يجري فيه تشغيل جهاز التلفزيون وإيقافه حينما كان هؤلاء الأطفال رضعا، ثم بعد ذلك حينما بدأوا في الكبر، وكذلك تمت الإجابة على عدد الساعات التي ينام فيها أطفالهن يوميا على وجه التقريب. وحينما قام الباحثون بمراجعة نتائج الإجابات وجدوا علاقة بسيطة (ولكن ثابتة دائما) بين مشاهدة التلفزيون لساعات طويلة وقلة عدد ساعات النوم. وعلى مدار الدراسة كانت كل ساعة مشاهدة زائدة للتلفزيون تقلل من النوم بمقدار سبع دقائق يوميا. وكان التأثير أكبر على الفتيان منه على الفتيات. وهذا الأمر يعد بالغ الأهمية حيث إن ساعات المشاهدة تزداد في العالم كله خاصة في وجود القنوات المتعددة للأطفال التي تعمل بل توقف على مدار اليوم كله. وكذلك لاحظ الباحثون أن أطفال الأقليات العرقية في أميركا من أعمار الرابعة وحتى السابعة في الأغلب كانت غرف نومهم تحتوي على جهاز تلفزيون وهو الأمر الذي ساهم في خفض حوالي نصف ساعة من معدلات النوم يوميا بالنسبة لهؤلاء الأطفال وهو ما سوف سينعكس بالسلب على صحتهم الجسدية وقدراتهم الذهنية. * التلفزيون والأمراض * وفي نفس السياق وفي دراسة أخرى حديثة في شهر مارس (آذار) من العام الجاري أشارت الكلية الأميركية لأمراض القلب American College of Cardiology في مؤتمرها العلمي السنوي إلى أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميا في مشاهدة التلفزيون أكثر عرضة لتناول الوجبات الخفيفة (سناكس) بين الوجبات الرئيسة، وأيضا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من غيرهم حتى بالمقارنة بالأطفال من نفس أعمارهم الذين يقضون نفس الوقت ولكن أمام شاشات الكومبيوتر أو ألعاب الفيديو. وعلى الرغم من الكومبيوتر وألعاب الفيديو مثل التلفزيون تشجع الأطفال على الحياة الخاملة وعدم ممارسة الرياضة فإن الدراسة وجدت أن مشاهدة التلفزيون على وجه التحديد مصحوبة بالاختيارات السيئة من الطعام واحتمالية الإصابة بأمراض القلب. وتعدّ تلك الدراسة الأولى من نوعها التي تقارن بين الوقت المنقضي أمام الشاشات المختلفة screen time سواء أمام الكومبيوتر أو ألعاب الفيديو أو التلفزيون وأثره على صحة الأطفال. وقد لاحظت أن الأطفال في المرحلة المتوسطة تقريبا في بداية فترة المراهقة الذين كانوا يشاهدون التلفزيون لمدة تتراوح بين ساعتين وست ساعات زادت مساحة كتلة الجسم لديهم وهو ما يعني مؤشرات لإصابتهم بالبدانة وأيضا عانوا من ارتفاع في ضغط الدم وأيضا زيادة في ضربات القلب وتأخر في رجوع معدل نبضات القلب إلى معدلاتها الطبيعية بعد بذل مجهود معين. وكانت هذه الدراسة قد تناولت 1003 تلاميذ من تلامذة المرحلة الإعدادية من 24 مدرسة من ولاية ميتشغان الأميركية. وقام الباحثون بسؤال الأطفال عدة أسئلة تبعا لمعايير معينة عن العادات الصحية المختلفة ومنها سؤال عن الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات ونوعية هذه الشاشات وكذلك تم سؤالهم عن تناول الوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسة، وكذلك المشروبات والطعام الذي تم تناوله قبل 24 ساعة. وكذلك تم قياس الضغط ونبض الجسم لكل منهم وأيضا قياس مستوى الكولسترول في الدم. وجرى تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى من الذين قضى أفرادها وقتا أقل من ساعة في مشاهدة التلفزيون، وأفراد المجموعة الثانية قضوا وقتا من أثنين إلى ست ساعات، وأفراد المجموعة الثالثة الذين قضوا وقتا أقل من إثنين - إلى ست ساعات أيضا ولكن في مشاهدة الكومبيوتر أو ألعاب الفيديو. وكانت نتيجة الدراسة أن الأطفال الذين قضوا وقتا أطول أمام الشاشات بغض النظر عن نوعيتها تناولوا وجبات خفيفة غير صحية أكثر من أقرانهم الذين قضوا وقتا أقل في المشاهدة وتبين أن من شاهدوا التلفزيون على وجه التحديد تناولوا وجبات خفيفة أكثر من أقرانهم الذين شاهدوا الكومبيوتر وألعاب الفيديو وكانت معظم هذه الوجبات الخفيفة تحتوي على نسبة عالية من الدهون. وأرجع الباحثون هذا السلوك إلى إمكانية تأثر الأطفال بالإعلانات عن الأطعمة غير الصحية في التلفزيون. وفي النهاية يجب أن يحرص الآباء على ألا تزيد أوقات مشاهدة أبنائهم للتلفزيون على ساعتين يوميا حتى يتمتعوا بصحة جيدة. وتوصي الجمعية الأميركية لطب الأطفال بألا تزيد فترة المشاهدة لهؤلاء الأطفال على ساعتين يوميا. * استشاري في طب الأطفال.
الشرق الأوسط