بعد دراسة وتحليل شاملين لما تعيشه موريتانيا من أوضاع راهنة تجعل من واجب كل مواطن مخلص يحرص علي امن واستقرار وطنه ومواطنه أن يتوجه بنداء لكافة القوي الفاعلة لتحكيم العقل علي العاطفة والنظر بعين ثاقبة ووضع المصلحة العليا للبلد فوق كل الاعتبارات والمصالح الذاتية بغية الإبحار بسفينة موريتانيا إلي بر الأمان .
ومن هنا نقترح علي جميع المتحاورين أن يكونوا على دراية تامة بحساسية المرحلة وخطورة الأوضاع في العالم الإسلامي والعربي والإفريقي لأنه من البديهي أن الكل يتأثر بمحيطه ومن المستحيل أن نظل نشكل استثناء.
لذا علينا أن نبحث عن ما يمكن أن يتنازل عنه كل منا للأخر وعن ما يمكن أن نتغاضى عنه، وما لا يمكن السكوت عليه.
فالحوار يعني اعتراف صريح بأحقية كل من الفر قاء في بعض ما يدعي . ومن المفترض أن النظام القائم يعي جيدا أهمية الاستقرار والانسجام الاجتماعي وضرورة تحسين صورة البلد لدي جميع الشركاء وخاصة المستثمرين الأجانب والهيئات الدولية المهتمة بالديمقراطية وبحقوق الإنسان.
لذا من واجبه أن يقدم تنازلات للفر قاء السياسيين لاحتوائهم بالتي هي أحسن ، الأمر الذي يسهل علي المعارضة مراجعة نفسها والاستعداد لتقبل فكرة خصمها .
ومن شأن ذلك أن يعزز من قدرته كنظام حاكم علي تولي زمام الأمر في هذه المرحلة بالذات بصفة توافقية وأكثر قبولا .
أما المعارضة الديمقراطية الراغبة في الحصول علي ضمانات من شأنها أن توفر الشفافية وتسهل المنافسة الحرة لتقدم نفسها كبديل أحسن عن النظام القائم يجب أن تعي جيدا أن توقيع معاهدة معها يشكل اعتراف بأنها أصبحت قوة متكافئة مع النظام .
هذه الايجابيات توجد معها اكراهات متلازمة مع التفاوض عند ما يجلس الطرفان للحوار والصلح فلا بد أن يتنازل كل طرف عن شيء أو أشياء كان يظنها من الضرورة بمكان .
وفي هذا الصدد علي الجميع أن يضع مطالب المواطنين في الحسبان مما يستوجب علي السلطة تقديم تنازلات شجاعة تبرهن علي جديتها في البحث عن حلول تفضي إلي التعايش السلمي و الأمن والاستقرار.
وأن لا تجعل من هذه المفاوضات معاهدة تتم بين منتصر ومهزوم، فقط من أجل جعل الأخير أمام الأمر الواقع؛ ليقبل بكل البنود والشروط، التي تعبر عن أملاءات من المنتصر يتم فرضها بالقوة.
وكذلك يفترض في المعارضة أن تكون جادة ومسئولة وتتسم بالواقعية والموضعية وتعلم أن ما لا يدرك جله لا يترك كله.
وأن تحذر من إعطاء الانطباع للرأي العام بسعيها للوصول للسلطة بأي ثمن حتى ولو علي مصلحة امن البلاد والعباد .
ولنا في صلح الحديبية أسوة حسنة فموقف الرسول صلي الله عليه وسلم عند كتابة معاهدة الحديبية يبين مدى رغبته عليه أفضل الصلوات والسلام في إقرار تلك المعاهدة.
حيث دعا علي كرم الله وجه وقال :
اكتب بسم الله الرحمان الرحيم عندها قال سهيل بن عمر لا نعرف ذلك بال اكتب بسمك اللهم الخ.......
فالرسول صلى الله عليه وسلم - تنازل عن كتابة البسملة كاملة، وتنازل عن وصف نفسه بالرسول، وقبل أن يعود من هذا العام فلا يطوف بالبيت، و أن يرد من جاءه مسلما من أهل مكة إذا طلب أولياؤه ذلك.. بل وتعد الأمر ابعد من ذلك عندما أتي أبو جندل بن سهيل بن عمر فارا بدينه وهاربا من مشركي قريش وهو في حالة شديدة من الإعياء والإجهاد يرجو النصرة من المسلمين، فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهيل بن عمر - وهو أبو أبي جندل - فيرفض سهيل، ويعلق نجاح المفاوضات بكاملها على أخذه لهذا الفتى المسلم المعذَّب، وأمام مخاطر فشل المعاهدة يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل أن يتم الصلح وأن يحل السلم والأمن محل التوجس والخوف.
انتهى الاستشهاد .
هذا هو أعظم درس يمكن أن يستحضره جميع القادة السياسيين عند التفكير في الإحاطة بتدبير شؤون بلادهم . لذا علي المحاورين المشاركة الايجابية في الحوار وجعله يدعم الوحدة الوطنية واستتباب الأمن باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لتنمية واستقرار موريتانيا .
وأخيرا ادعوا الجميع إلي التبصر والتعقل واستخلاص العبر من خطورة الأوضاع الراهنة في عصر الفوضى الخلاقة أو ما أصبح يسمي لعبة الأمم .
فالعاقل من يتعظ بغيره لا بنفسه والضعيف من يخسر السلام وفقنا الله وإياكم لما فيه خير موريتانيا.