كثيرا ما يكرر أنصار الرئيس، بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تمكن من الفوز في الشوط الأول من رئاسيات 2009، وبنسبة تزيد على 52% من أصوات الموريتانيين، لن يعجزه أن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة بنسبة تفوق كثيرا نسبة 52% التي حصل عليها في انتخابات 2009.
ويبرر أنصار الرئيس هذا الاستنتاج المنطقي جدا بحجة في غاية القوة خلاصتها أن الشعب الموريتاني الذي صوت بتلك النسبة المرتفعة لولد عبد العزيز في الشوط الأول من انتخابات 2009 وهو يومها لم يكن يملك إلا مجموعة من الوعود الانتخابية لن يبخل عليه بنسبة تفوق كثيرا تلك النسبة في الانتخابات القادمة، وذلك بعد أن أصبحت انجازاته ـ أي الرئيس محمد ول عبد العزيز ـ ماثلة للعيان، ويمكن لكل موريتاني أن يشاهدها كلما أشرقت شمس على بطحاء أنبيكت لحواش، أو كلمات غابت أخرى عن شوارع الشامي وعمارتها.
إن هذا المنطق لمنطق سليم ومعقول، ويمكننا أن نقبل به، لولا هذا الخوف الكبير الذي يظهر على عقلاء "الأغلبية" كلما تم الحديث عن الضمانات اللازمة لانتخابات رئاسية شفافة وتوافقية.
فبالله عليكم كيف يمكن لعقلاء الأغلبية أن يقبلوا بحكومة توافقية في انتخابات 2009 والرئيس يومها لم يكن يملك إلا وعودا انتخابية ولا يقبلون بمثل تلك الحكومة الانتخابية في انتخابات 2014 والرئيس ولله الحمد أصبح الآن يملك من الانجازات الملموسة الشيء الكثير والكثير جدا؟ إن المنطق السليم كان يفرض على عقلاء أغلبية الرئيس أن يضغطوا عليه للقبول بكل الضمانات التي تطلب بها المعارضة، وذلك بحجة أنه ما دام قد تمكن من الحصول على 52% في انتخابات 2009 وهو لا يملك إلا الوعود الانتخابية، فإنه لن يعجز عن الحصول على نفس النسبة أو أكثر في الانتخابات القادمة وهو يملك من الانجازات الشيء الكثير، وباسم الله، وما شاء الله، وبارك الله، واللهم لا حسد.
إن المنطق السليم كان يفترض على عقلاء الأغلبية أن يطلبوا من الرئيس بأن يقبل بكل الشروط والضمانات، بأن يقبل بكل شيء، إلا ما يمكن أن يعين المعارضة على التزوير لصالح مرشحها أو مرشحيها، أما ما دون ذلك فعليه أن يقبل به، وذلك لأنه لن يغير من الأمر شيئا، ولن يحول دون نجاح الرئيس في الشوط الأول من الانتخابات القادمة وبنسبة عالية جدا ربما تصل إلى نسبة ما تحقق من برنامج السيد الرئيس، والتي قيل بأنه وصلت في العام الثالث من مأموريته المنتهية إلى ما يزيد على نسبة 70%.
إنه لا يمكننا أن نتخيل إطلاقا بأن الرئيس الذي قبل بحكومة توافقية في انتخابات 2009 ، وهو يومها لم يكن يملك إلا الوعود الانتخابية، ولم يكن يومها رئيسا إلا للفقراء وحدهم، بأن هذا الرئيس لن يقبل بحكومة توافقية في انتخابات 2014 بعد أن أصبح يملك من الانجازات باسم الله، وما شاء الله، وبعد أن أصبح بالإضافة إلى رئاسة الفقراء رئيسا للشباب، ورئيسا للأطفال، ورئيسا لأجيال الآيباد والآيفون ، بالإضافة إلى رئاسة العمل الإسلامي، ورئاسة القارة الإفريقية..
سؤال آخر على عقلاء الأغلبية أن يجيبوا عليه، وهذا السؤال يتعلق برفض الحكومة لأن تخصص وزيرا من وزرائها الكثر للمشاركة في الحوار المتعلق بجدول الأعمال، فهل ذلك يعود إلى أن الوزراء لا يجدون وقتا للاشتغال بالسياسة نظرا لتفرغهم لخدمة المواطنين، ولانشغالهم بالقضايا المهمة والملحة؟
دعونا نفترض جدلا بأن ما يمنعهم هو ذلك بعينه، ولا شيء غير ذلك، ولكن يبقى السؤال: لماذا خرج الوزراء عن بكرة أبيهم إلى مشارق موريتانيا وإلى مغاربها لدعوة الموريتانيين للتسجيل في الإحصاء الانتخابي.
ألم تقل لنا الحكومة ومنذ أشهر قليلة جدا، بأن الموريتانيين قد سجلوا عن بكرة أبيهم في انتخابات 23 من نوفمبر، وبأنهم قد صوتوا عن بكرة جدهم في تلك الانتخابات، وبأنهم قد أوصلوا نسبة المشاركة إلى نسبة غير مسبوقة في تاريخ كل الانتخابات الموريتانية؟
نحن إن صدقنا الحكومة في ذلك فإننا سنكون أمام واحد من احتمالين:
أولهما : أن الحكومة التي بخلت بتخصيص وزير واحد أو نصف وزير حتى، للتحاور مع المنتدى لتحديد جدول أعمال الحوار هي نفسها الحكومة المنشغلة الآن وعن بكرة أبيها في عمل عبثي بلا معنى وذلك لأنه يطلب من الموريتانيين الذين سجلوا عن بكرة أبيهم في انتخابات 23 من نوفمبر أن يسجلوا الآن، وعن بكرة جدهم، وللمرة الثانية، في الإحصاء الانتخابي ( أذكركم هنا بأن التسجيل لمرتين لا يجوز قانونا، ولا يمكن فنيا).
ثانيهما: أن تكون الحكومة كانت صادقة في انتخابات 23 من نوفمبر عندما قالت بأن الموريتانيين قد سجلوا عن بكرة أبيهم في تلك الانتخابات، وأنها جادة الآن وهي تدعو الموريتانيين لأن يسجلوا الآن.
إن التوفيق بين هذا وذاك يفرض علينا بأن نتخيل بأن المدة الزمنية التي فصلت بين نوفمبر 2013، وابريل 2014 ليست خمسة أشهر فقط، وإنما هي خمسة أعوام، وهو ما يعني بأن عشرات الآلاف من الموريتانيين ممن لم يكونوا في سن التصويت، قد كبروا خلال الخمسة أشهر الماضية، عفوا الخمس سنوات الماضية، مما فرض على الحكومة المهتمة بشؤون الناس، صغيرها وكبيرها، بأن تخرج الآن عن بكرة أبيها، وذلك لتقنع مئات الآلاف من الموريتانيين الذين تقدم بهم العمر في الأشهر الخمسة الأخيرة، عفوا الخمسة أعوام الأخيرة، بضرورة التسجيل حتى يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
حفظ الله موريتانيا..