تعرف ظاهرة الشعوذة أو ما يسمي محليا في موريتانيا بـ الحجاب انتشارا واسعا في البلد، ويتمتع المشعوذون والسحرة المعروفون بـ الحجابة بثقة بعض المسئولين والساسة ورجال الأعمال الذين يلجئون لأداء خدماتهم بشكل سري فضلا عن الإقبال المتزايد عليهم من جمهور العامة والبسطاء من الناس وخصوصا من فئة النساء بسبب انتشار العنوسة وفشل العلاقات الزوجية وتفاقم المشكلات الصحية والاجتماعية.
جذور الشعوذة في موريتانيا تختلف الشعوذة عن الرقية الشرعية، فالرقية والاعتقاد بها ليس بالأمر الجديد علي الموريتانيين فقد لعبت ظاهرتها دورا في استقرار وتوازن المجتمع الموريتاني في القرون الماضية إبان فترة ما قبل الدولة الحديثة عندما كانت البلاد تعيش مرحلة الاضطرابات والغارات بين القبائل العربية في موريتانيا حيث إن قبائل الزوايا التي اشتغلت في العلوم الدينية والتصوف ولم تحمل السلاح، قد نشرت ثقافة التدين والرقية وخوارق العادة والكرامات المنسوبة لبعض الأولياء والصالحين المنتمين لهذه القبائل، وهو ما شكل هيبة قوية في وجه غارات القبائل المحاربة في ذلك الوقت والتي ظل بعضها يخشي السلاح الغيبي والروحي لقبائل الزوايا ورغم أن أغلب من يشتغلون بالحجاب أو الرقية الشرعية كما يفضل البعض تسميتها في موريتانيا هم من المشايخ الدينيين وأبناء تلك القبائل التي عرفت بالتدين والصلاح، إلا أن الممارسين حاليا للحجاب أو الشعوذة بمفهومها الأدق هم غالبا أشخاص هامشيون يبحثون عن مورد رزق مدر للدخل وأكثرهم من المنحدرين من الفئات الزنجية التي تتهم أحيانا بنقل تقاليد الشعوذة إلي موريتانيا من بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء حيث تزدهر هذه الظاهرة بشكل ملحوظ. المشعوذون يتمركزون في العاصمة نواكشوط لا تكاد تخلو مدينة أو قرية موريتانية من عرافة أو مشعوذ أو صاحب خوارق يدعي انه يبرئ الأكمه والأبرص وكل الأمراض والعلل أو له علاقات وطيدة مع الجن يستطيع من خلالها الاستفادة من خدماتهم في رد المسروقات وتكثير العملات والأوراق النقدية... أو شفاء أصحاب الأمراض المستعصية، فهؤلاء المشعوذون أو"الحجابه يزعمون مقدرتهم علي كل شيء وتفننهم في كل فن، ويتركز الكثير منهم في العاصمة نواكشوط، حيث يتخذ العلية منهم وذوو الشأن منازل محترمة في المدينة لاستقبال زبائنهم بهدوء يوميا، وغير الميسورين منهم يجلسون في بعض الطرقات داخل أخبية من الخشب والقماش كمكاتب لعملهم طيلة وقت الدوام، وغالبا ما يتخذ هؤلاء من محيط المستشفيات العامة سكنا لهم، ليستفيدوا ربما من أصحاب الأمراض المستعصية، كتجمعهم المعروف في نواكشوط قرب مستشفي العيادة المجمعة اكلنيك .
تحقيق أعلي الشيخ