صحراء ميديا ـ يعقوب ولد باهداه
مع خبر توقيف الدرك السنغالي له، على خلفية قضية قديمة، عاد اسم المفوض السامي السابق لمنظمة استثمار نهر السنغال، إلى واجهة الأحداث، بعد أن غاب عنها منذ 29 ابريل من العام الماضي، حين سلم مهامه لخلفه الوزير الأول الغيني السابق كابيني كومارا، الذي أصبح المفوض السامي للمنظمة.
ترددت أخبار كثيرة حينها حول خلافات ولد مرزوك مع القيادة العليا في موريتانيا، أدت في النهاية إلى عدم التجديد له، وكتبت صحف في موريتانيا والسنغال أن طموحات ابن مدينة كيفه باتت تتجاوز مجرد منصب إقليمي أمضى فيه 11 سنة. ورغم ذلك اهتمت موريتانيا الرسمية بقضية توقيفه، واحتجت لدى سلطات داكار.
أدار الرجل المنظمة الإقليمية بتميز يشيد به من واكبوه، وشهدت في زمنه توسعا لمهامها وتزايدا في البرامج التي تنفذها. مما ولد صورة في البلدان الأربعة الأعضاء، وفي السنغال على وجه التحديد التي تحتضن مقر المنظمة، حول "الرجل الحديدي" ذي الملامح الصارمة والشخصية القوية.
ترك محمد سالم ولد مرزوك المنظمة، وودع كرسي قيادتها، وربما امتزجت مشاعر حزن مغادرة مبنى المنظمة وسط داكار مع ابتسامات الفرح بتولي موريتاني آخر منصب أمينها العام، هو با مادين، وزير التجارة والسياحة السابق، والمدير السابق لوكالة إعادة دمج العائدين.
لكن طموحه، ربما يقوده إلى أبعد منذ ذلك.. رئيسا أو قريبا منها، هكذا بدأت خطواته الأولى صوب القصر الرمادي. انتقل من التحضير النظري إلى الواقعي. فمصادر مقربة من الرجل تقول إنه وصل لمراحل متقدمة من الاستعداد لخوض غمار الرئاسيات المقبلة.
وربما لا تكون الرئاسة بالسهلة في هذه الظروف التي تشهد فيها الساحة السياسية الموريتانية استقطابا كبيراً، ويرجح فيها فوز الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بولاية جديدة. عندها قد تتجه البوصلة نحو المنظمة الفرانكفونية الدولية، التي يغادرها عبدو ضيوف، دون وجود مرشح لخلافته حتى الآن.
لم يصل ولد مرزوك إلى منصبه في "أو أن في اس" كما تسمى اختصارا، من فراغ. فسبق له أن أدار حقائب وزارية مهمة في موريتانيا، أيام حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع، منها الصحة، والمياه والطاقة، ومفوضية الأمن الغذائي.
تاريخ الرجل عبارة عن سيرة مثيرة لشاب ينحدر من "جامبور" كيفه، رمز التحرر وثقافة المواطنة المَدِينية المبكرة في مجتمع بدوي طبقي.
نشط على حسابيه الرسميين في موقعي توتير وفيسبوك، ينشر رأيه وموقفه من كل القضايا المطروحة، وفي مواضيع فكرية وسياسية عامة، وعليهما تلقى مئات رسائل التضامن بعد توقيفه. وعلى موقعه الشخصي في الانترنت، يقدم نفسه بأنه باحث، ووزير سابق، والرئيس السابق للشبكة الدولية لمنظمات الأحواض، والمفوض السامي السابق لمنظمة استثمار نهر السنغال.
مساره السياسي الحديث، تميز ببروزه معارضا لنظام الرئيس معاوية ولد الطائع، وداعماً لمرشح المعارضة أحمد ولد داداه في انتخابات 24 يناير 1992، في وقت كان شقيقه دحمود (وزير البيئة في حكومة يحيى ولد أحمد الوقف)، مقربا من ولد الطائع ساعتها.
استمر محمد سالم في المعارضة، حيث كان قياديا في حزب اتحاد القوى الديمقراطية / عهد جديد، الذي ترأسه المرشح الخاسر ولد داداه، وغادره عام 1996، والتحق بصفوف داعمي ولد الطائع، من خلال بوابة الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي.
قربه ولد الطائع وعينه في مناصب وزارية عديدة، واختتم مشواره معه بتقديمه مرشحاً لمنصب المفوض السامي لمنظمة استثمار نهر السنغال عام 2002 . وحظي ولد مرزوك بتزكية الرئيس الانتقالي العقيد اعلي ولد محمد فال، حيث جددت موريتانيا ثقتها فيه لولاية ثانية على رأس المنظمة التي أصبحت تضم غينيا، إضافة إلى موريتانيا والسنغال ومالي.
بدأ مشواره الدراسي، في مسقط رأسه، كيفه عاصمة ولاية لعصابه، وعلى عكس كثيرين من أقرانه الذي تسللوا من المدرسة شيئا فشيئا، في وسط فقير تحيط به أحزمة البداوة والصحراء، شق الفتى الطموح طريقه وكان معروفا بالذكاء والجدية والهدوء وحب مطالعة الكتب، كما عرف أيضا بقوة الشخصية والحضور.
بعد حصوله على الباكلوريا، توجه إلى تونس حيث حصل على المتريز في الجغرافيا الفيزيائية، وبعدها الدكتوراه في التخطيط البيئي. وواصل مساره الأكاديمي باحثا في جامعة لويس باستور في ستراسبورغ بفرنسا.
بعد عودته إلى موريتانيا كانت وظيفته الأولى أستاذاً في المدرسة العليا للتعليم (تكوين الأساتذة)، وبالموازاة مع ذلك كان مساره السياسي يقوده نحو مكان بارز في معارضة النظام الحاكم، ثم أحد أهم الوزراء في حكوماته، قبل أن ينال ثقته ليتولى أهم منصب إقليمي في الضفة الأخرى للنهر.
في مقال له عام 2009 في مجلة "الأفارقة" نقل اسماعيل حيدره عن محمد سالم ولد مرزوك قوله إنه يتطلع أن تعتمد افريقيا على نفسها، وتنهض بناءً على ما تتمتع به من موارد طبيعية وخصائص. وأكثر من ذلك يتطلع إلى أن تكون دول منظمة استثمار نهر السنغال، وبالأخص بلده موريتانيا في حال أفضل مما هي عليه اليوم. ولذلك حاول خلال إدارته لـ"أو ان في اس" أن يصنع الفارق. ويبقى التساؤل قائما : إلى أين سيقوده ذلك الطموح.. إلى كرسي رئاسة موريتانيا أم إلى قيادة المنظمة الفرانكفونية..؟ أم إلى حالة انتظار قد تطول. أقل من أربعة أشهر وتكون الإجابة جاهزة..ربما.