لقد تابعت وبأسف بالغ تصريحات السيد وزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان حول جريمة تدنيس المصحف الشريف، وقد لاحظت أن السيد الوزير الناطق الرسمي بإسم الحكومة تعامل مع هذه الحادثة الشنيعة بإستخفاف لافت وكأنها حدث سياسي عابر، يجب القفز عليه كغيره لينجلي في مطبات الأمن والمعارضة والحريات.
كما تناول السيد الوزير قضية الشاب المغفور له بأسلوب لغوي خال تماما من الإنسانية والشفقة ونسي أنه يتحدث بإسم حكومة قتلت إنسانا وأنه في الوقت ذاته يخاطب بيت عزاء. ثم في خرجة أخرى يتطاول على حزب اتحاد قوى التقدم، ذلك الحزب العريق صاحب السجل الذهبي المتميز والمشهود له بالمقاومة والنضال عبر تاريخ موريتانيا منذ الإستقلال وقبله. ولاشك أن الوزير ومن يدور في فلكه وبعض العامة سيتحاملون على ولد احمين اعمر، تلك الشخصية من منظورهم المثيرة للجدل، صاحبة الرقم القياسي في الترحال السياسي، بل وأكثر من ذلك نعوت أخرى. وقبل هذا وذاك ولإزالة اللبس فإنني أعترف وليست معرة أن يقول المرء الحق ولو على نفسه.
إنني بعد مضي سنة من النضال المستميت وحمل شعار الرحيل، إكتشفت أن المعارضة بجميع أطيافها وألوانها لم تجد بدا من المطالبة بالرحيل، طبقا للسان الحال وتماشيا مع الربيع العربي، لكنها عكسا للثورات الأخرى، حاولت إنجاز حلم لا يمكن أن يتحقق إلا بدفع الثمن من الجسم والوقت والجيب والوظيفة، وهو مستوى التضحية الذي لم تصل إليه المعارضة، إما حرصا منها على السلم الأهلي أو خوفا من دفع الثمن المذكور. حينها قررت بعد مبادرة مسعود ولد بلخير، التقدم بمبادرة من خمس نقاط، وقابلت رئيس الجمهورية عدة مرات، كانت أولاها أقساها وعندما خرجت من تلك المقابلة في يونيو 2012، صارحت الجميع عبر بيان كان عنوانه: "ولد عبد العزيز لا يحاور ولا يناور"، وإختتمته بالقول: "إنني أحمد الله على السلامة" بعد خروجي من المكتب.
رفض السيد الرئيس إشراك المعارضة في اللجنة المستقلة ومراقبة الوثائق المؤمنة والحكومة الإنتقالية، وضرب بعرض الحائط كافة المقترحات، وصدقت إلى حد الآن حينما قلت سابقا أن ولد عبد العزيز لا يحاور ولا يناور.
في المقابلة الثانية وافيت الرأي العام بالنتيجة، وكان من أبرز ما دار بيننا مما هو قابل للنشر في تلك الآونة سؤاله الشهير: "لماذا تقول أنني حمار"؟ في هذه الفترة جمدت نشاطي في حزب اتحاد قوى التقدم، الذي لم أستقل منه وقررت هدنة مع النظام، فرضت علي لسببين اثنين:
1 - كوني عمدة منوط بحقوق كثيرين وأصبحت مصدر حرمان لهم، بسبب مواقفي السياسية التي حاسبهم النظام من خلالها إلى درجة أن بلدية أوجفت مورس ضدها العقاب الجماعي في كافة أوجه التنمية.
2 - كوني أنتمي إلى مجموعة أهلية إكتوت هي الأخرى بنار مواقفي ومارست علي ضغوطات هائلة، ليس للعدول عن مواقفي، بل لكون النظام أعتبر أن كافة مواقف ولد احمين اعمر، التي يصفها بالمتطرفة قد تكون ممولة ومنظمة وممنهجة من طرف جماعة رجال اعمال اسماسيد. وبالفعل قد دفع هؤلاء أثمانا باهظة بعد سجنهم، وبعد إطلاق سراحهم. وهنا أي منا ليس مطالب شرعا بصيانة عرضه وماله؟ وكذلك عرض ذويه ومالهم؟.
نعم، جرى تذبذب على المواقف وربما ترحال لكن كم تفرع من الحركات والأحزاب من "FDUC" ومن "RFD" ومن بعدهم كم عدد أولاد وبنات الحزب الجمهوري اليوم وفي التاريخ القريب كي لا تخون الذاكرة النخبة كعادتها، ألم يلد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية حراكا وكرامة وتنمية في أقل من أسبوع؟ ثم من حطم الرقم القياسي في الترحال الحزبي والعسكري؟.
إن وزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان كان شيوعيا قبل أن يكون إخوانيا وقبل أن يصبح برزخيا. إنتمى مع آخرين كثر إلى حزب التجمع ثم الحزب الجمهوري ثم الحزب الجمهوري المعدل ثم "عادل"، ثم حزب الإتحاد من أجل الجمهورية؟.
وفي هذا السياق وعلى ذكر الترحال العسكري، تخللت كافة مقابلاتي مع السيد رئيس الجمهورية محطات ملفتة وقد يقول قائل من خلال نشر مقتطفات من المقابلات التي نشرت مؤخرا، أن فحوى ما قيل يوحي بتقربي للنظام. لكن الحقيقة أنني تطرقت فقط لوجهة نظر السيد الرئيس حول المال والأعمال والقبيلة والفساد من منظوره هو. مع أن كافة الحوارات جرت وأنا عضو فاعل بل شخصية وازنة في حزب اتحاد قوى التقدم، ليتسنى للقارئ أن الحوار قد يكون حميمي حتى بين طرفين يكون أحدهما يريد بريدا لبث الرسائل ويكون الآخر يريد إكتشاف ما وراء الخبر.
وتكملة لما ورد في حديث جرى بيني مع الرجل قال:
"دخلت على معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع وكنت أحمل تظلما من السيدة الأولى، لأنها دأبت على إعطاء الأوامر لجنودي مباشرة ودون علمي، ولما تكررت الممارسة، أبلغتها وطلبت منها الكف عن التعاطي مع هؤلاء دون علم قيادتهم". وكان الجواب مسيئا إلى درجة الإهانة، حينها أصدرت أوامر للحرس برفض طلبات السيدة الأولى ورفض التجاوب معها، إلا بواسطة القيادة. منذ ذلك التاريخ، بدأت الأزمة الصامتة وتجلت مباشرة في التعاطي اليومي بين الأفراد وسرعان ما لاحظت أن وجودي في القصر أصبح مزعجا بل وأكثر من ذلك غير مرغوب فيه. وبعد مدة قصيرة تقدمت بطلب يتعلق بالمعاشات ومر بسلمه الإداري العادي، لكنه تعطل أمام تأشيرة السيد الرئيس. فتركت الطلب يأخذ مجراه دون متابعة، حتى تأكدت أن الأمر لم يعد طبيعيا، فطالبت بمقابلة السيد الرئيس، وبعد فترة سمح لي بذلك.
دخلت على الرجل في الصباح الباكر، وأديت التحية كالعادة ليستمر هو في قراءة ملفات معروضة أمامه، دون الإشارة إلي بالجلوس.، إنه أسلوب تأديبي مألوف، لكنه ممزوج بالإزدراء والإحتقار. وبعد دقائق رفع وجهه وأمرني بالجلوس، وقال: "تفضل" فقلت لسيادته أنني جئت لمتابعة الطلب، وكذلك في أمور أخرى تتعلق بأسلوب السيدة الأولى في التعاطي مع الحرس الرئاسي، ولم يمنحوني فرصة إكمال الحجة حتى نهرني قائلا: "كف عن تلك الترهات"، وأتبع ذلك مباشرة برفع كومة من الأوراق، ليخرج من تحتها الطلب، وبدلا من مد يده بالورقة وضعها على المكتب ورفعها بأصابعه حتى سقطت عند قدمي، وعاد مرة أخرى للنظر في الملفات.، وقفت عن المقعد وفي ثواني معدودات راودتني الفكرة أن أخرج وأترك الطلب ملقى في مكانه، لكن هاجس التربية العسكرية منعني. فانحنيت وأخذت الطلب وأديت التحية وخرجت، لكنني قبل الوصول إلى باب المكتب، اتخذت قرارا في نفسي وبلا رجعة وأقسمت أن أضع قدمي على "أذينتو" –حسب تعبيره- هناك." وأشار بأصابعه إلى الجانب الشمالي من المكتب، قائلا: "سأرغمه على أكل "الوركة" - وهو الشاي الأخضر الذي يعطى للماشية بعد غليه -. لم أرتح لهذه العبارات خاصة أن معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع إبن عمي، وهو رئيس جمهورية حينها. وسرعان ما تذكرت قضية الوزير الأول يحيى ولد أحمد الوقف عندما قال محمد ولد عبد العزيز أنه سيرغمه على أكل ذلك الأرز المنتهي الصلاحية. واستمر السيد الرئيس في الحديث ليستنج مايلي:
"هل من المعقول أو المقبول أن أضحي بنفسي وبمستقبلي وبأسرتي وأنجز إنقلابا من ألفه إلى يائه، كي أترك قيادة البلد لاعل ولد محمد فال أو سيدي ولد الشيخ عبد الله، ذلك العجوز الذي أجلسته على الكرسي وبكافة السبل ليستيقظ يوما وبجرة قلم يقيلني ويقيل جميع الضباط السامين في البلد؟. هل تعلم أن هذا الرجل الذي أسندت إليه قيادة البلد لضيق صدره قد حرر شكوى وختمها بختم رئاسة الجمهورية وأرسلها لوزارة العدل؟ بسبب أن شابا يدعى ولد صيبوط صحفي أخرج كاريكاتير يلبسه فيه زي نسائي سفلي، أم تعتقد يا ولد احمين اعمر أنني لما أزحت ولد الطايع واعل ولد محمد فال وسيدي ولد الشيخ عبد الله، سأسلم القيادة لحفنة العجزة الذين يقودون المعارضة حاليا؟، لن أسمح لأي منهم، بأن يصل إلى كرسي الرئاسة، ما داموا ينتهجون أسلوب الرحيل والشغب والفوضى".
ويستخلص مما سبق، أن الإنقلاب الأول على معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع لم يكن بدافع الغيرة على الوطن، وإنما هو ردة فعل على ما جرى فقط، ولم يكن الإنقلاب الثاني على سيدي ولد الشيخ عبد الله سوى ردة فعل أخرى بسبب الإقالة. ولم يكن بيان المجلس العسكري منسجم مع الأسباب كما لم يكن بيان المجلس الأعلى للدولة الثاني مطابقا للحقيقة، مع أن الانقلابين حدثا ونجحا ووجدا كفاية من الدعم على مستوى النخب والشارع والمنظومة الدولية.
تم إبعاد معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع وتهميش اعل ولد محمد فال، وإزالة سيدي ولد الشيخ عبد الله وتهجير محمد ولد بوعماتو وعبد القدوس ولد اعبيدن والمصطفى ولد الإمام الشافعي، وكأن النظام يطارد كل من تسول له نفسه الطموح في الترشح للإنتخابات الرئاسية من أمثال: محمد الحسن ولد الددو، أحمد ولد حمزة، ومحمد سالم ولد مرزوك، وأحمد سالم ولد بوحبيني، بيرام ولد اعبيدي وأخيرا أنا.
دشنت قناة المحظرة يوم الأحد الموافق 2-3-2014، واختتم منتدى المعارضة مساء الأحد الموافق 2-3-2014 وحدثت جريمة تدنيس المصحف الشريف يوم الأحد الموافق 2-3-2014، إحتلت أخبار منتدى المعارضة مكان الصدارة في كل الصحف والمواقع الألكترونية والتلفزات والإذاعات الحرة، بينما إحتل تدشين قناة المحظرة مكان الصدارة في وسائل الإعلام الرسمية، وفي صبيحة الإثنين إختفت جل العناوين المتعلقة بالمنتدى، لتحل محلها أخبار الحدث الأعظم.
وفي مقارنة بسيطة مع تعاطي رئيس الجمهورية مع الحدث، ووزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي بإسم الحكومة، لابد أن ينتابنا الشك حول ملابسات الحادثة، نظرا لما كان يناسبها من ردود فعل رسمية عاجلة وصارمة، ومن هنا يجب على المعارضة بكافة أطيافها أن تمحوا من ذاكرتها فكرة الحوار أو التشاور أو التفاهم، ما دام ولد عبد العزيز قد أكد أن أيا من قادتها لن يسمح له بالوصول إلى كرسي الرئاسة. وعليها أيضا أن لا تستبعد أية ممارسة من طرف النظام ولو مخلة قد تؤدي إلى حرمانها وإبعادها ومطاردة كل من له طموح في الوصول إلى الكرسي.
وأسأل الله السلامة لكوني مترشح إن شاء الله في الإنتخابات الرئاسية المرتقبة.
محمد المختار ولد احمين اعمر