اعتبر رئيس حزب التكتل السيد احمد ولد داداه في كلمته الافتتاحية لمنتدى الديمقراطية والوحدة أن البلد يعيش وضعا محفوفا بالمخاطر ، يطبعه الانسداد السياسي ، ويتسم بالتربح والزبونية ، واستقالة الدولة عن وظائفها الخدمية اتجاه الشعب الموريتاني، وكان الخطاب قد أثار امتعاض بعض قادة المنتدى الذين اعتبروا بأنه وقع تعديل في بعض كلماته، وهذا نصه كاملا:
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
خطاب الرئيس أحمد ولد داداه الافتتاحي لمنتدى الديمقراطية والوحدة أيها المواطـــنون الاعزاء، أصدقاء موريتانيا الأعزاء، أيها الضيوف الكرام، الســـــيدات والسادة، يسرنا أن نرحب بكم أحر ترحيب، وأن نشكركم جزيل الشكر على حضوركم لهذا الحفل المخصص لانطلاق أشغال منتدى الديمقراطية والوحدة الذي يسعى إلى تقديم ودفع خيار أفضل، لبلدنا موريتانيا.
إن المنتدى من أجل الديمقراطية والوحدة هو ـ بغض النظر عن كل الإنتماءات السياسية المنحازة ـ مبادرة تحمل معها مشروعا جماعيا كبيرا، وطموحا موحدا لكل الطاقات والجهود، وأملا مشروعا للسير بموريتانيا والموريتانيين نحو غد أفضل.
أيها المواطنون الأعزاء،
إن بلدنا مهدد في الكينونية السياسية لمؤسساته الجمهورية العليا، وفي سير وانتظام الوظائف الكبرى للدولة، وحتى أن وجودنا على خارطة الأمم أصبح هو الآخر في خطر.
إننا نعيش، في واقع الأمر، وضعا محفوفا بالمخاطر، يطبعه الانسداد السياسي ، وإفلاس الاقتصاد الوطني الذي لَـوّثـته عقلية التربح، وأفسدته الزبونية بجميع أصنافها ، وتصاعد النزاعات الطائفية بفعل استقالة الدولة، فضلا عن الأزمة الأمنية المزمنة، مع تصدع التوازنات الجيوسياسية والإستراتيجية في شبه المنطقة.
إن بلادنا تعاني من مضاعفات أزمة سياسية خطيرة، ناجمة عن غياب قاعدة إجماع واضحة، حول قواعد اللعبة الديمقراطية، وعن شلل المؤسسات، مع انعدام الفصل الحقيقي بين السلطات. وتتفاعل انعكاسات هذه الأزمة مع المشاكل الوطنية الكبرى على جميع مستويات الحياة الوطنية: التعليم، والصحة، والتشغيل، وفقدان القيم الذي وصل إلى حد التطاول على خاتم النبيئين وإمام المرسلين وسيد الغر المحجلين رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، إضافة إلى انتشار الفقر والهشاشة، الخ...
وهكذا، يهتز التماسك الاجتماعي لبلدنا، بفعل بذور الانشقاق بين المجموعات، و ثِقل الإرث الإنساني واستمرار الرق ممارسة ومخلفات، مما يخلق انقسامات بين مكونات الشعب الموريتاني، بسبب غياب الحلول المناسبة للمطالب المحددة.
وبالإضافة إلى الوضع الداخلي، تواجه بلادنا مجموعة كبيرة من التهديدات على المستوى الإقليمي: أزمة الهوية في أفريقيا، والإرهاب، وتجارة المخدرات، والجريمة العابرة للحدود، وأطماع القوى الدولية المختلفة. كل هذه التهديدات تنبئ بتطورات حتمية، ما تزال ملامحها غير واضحة، وقد تعود بعواقب وخيمة على بلادنا، في حال لم نستطع تدارك الوضع في الوقت المناسب. أيها المواطنون الأعزاء،
إننا نعيش في هذه اللحظة بالذات، شعورا عارما، ناجما عن إحساسنا بأننا نحمل آمالكم. ونقدّرُ بصدق وطمأنينة المسؤولية التي تعود إلينا في بعث الثقة لدى مواطنينا المحبَطين، بسبب المراوغات السياسية الفاحشة، لنظام موغل في السلطوية.
ولمواجهة هذه التحديات والمخاطر التي تهدد بشكل جدي وحدة بلدنا وتماسكه واستقراره وحتى وجوده، ولإعادة الأمل للشعب الموريتاني، قام تجمع وطني متعدد الأطراف، بتنظيم هذا اللقاء الذي اخترنا له "منتدى الديمقراطية والوحدة" وهو يعكس توجها وطنيا توافقيا، من خلال تشكيلته ونظرته وبعده، حيث يشمل أحزابا وحركاتٍ سياسيةً، ومركزياتٍ نقابيةً، ومنظماتٍ من المجتمع المدني، و حركات شبابيةً، وشخصيات وطنية مستقلة. أيها المواطنون الأعزاء يسعى "منتدى الديمقراطية والوحدة" إلى تحقيق الأهداف التالية:
• تجميع وتوحيد وجهات نظر جميع القوى الوطنية الحية، المتعلقة بضرورة الدعوة إلى تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في بلادنا؛
• تشجيع الجهود وتضافرها لإطلاق هبّـة جَماعية، تتناغم مع اهتمامات جميع المواطنين المخلصين وتطلعاتهم من أجل موريتانيا ديمقراطية، متحررة من قبضة الأنظمة الاستبدادية، ومتوحدة في تنوعها، مزدهرة وذات سيادة، وقادرة على رفع التحديات الكبرى في هذا العصر؛
• وضع إطار تشاركي للتشاور والعمل، يستشرف المستقبل ويكافح على المديين المتوسط والطويل، لوضع أسس دولة ديمقراطية، يسود فيها القانون، وتنعم بمؤسسات جمهورية قوية، تكرس تحقيق التوازن والفصل الحقيقي بين السلطات؛
• وأخيرا، وفي المستقبل القريب، سوف يسعى المنتدى لمواجهة تحديات الساعة والمخاوف التي تخيِّم على الساحة السياسية الوطنية، عبر إعداد استراتيجية توافقية، وخطة تكتيكية في وجه الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك للتأكد من أن هذه الانتخابات ستجرى في ظروف من الشفافية، والمساواة والمصداقية، تضمن سلامتها ومن ثمّ سلامة نتائج .
•أيها المواطنون الأعـــزاء،
كل الآمال مشروعة اليوم. وليس هناك مصير قاتم محتوم بالنسبة لشعب ملتزم بالتصدي للتحديات، خاصة عندما يكون المصير المشترك للأمة مهددا.
لا شك أنه من الممكن جدا خلق موريتانيا أخرى، تكون أكثر إخاء و وحدة، وأكثر تضامنا، وأكثر ازدهارا، يجد فيها كل مواطن فرصته ومكانته، مهما كان انتماؤه العرقي أو الاجتماعي أو الجغرافي، أو غير ذلك ... موريتانيا، يمكننا فيها إعادة الارتباط بالقيم الإنسانية والروحية والأخلاقية الأساسية، التي اهتزت منذ عدة سنوات ... ونعني بها قيم الجمهورية، والشرعية، والعدل، والدستور، والكرامة الإنسانية، واحترام الحقوق، والتناوب السلمي، والتضامن الوطني. إن انعقاد هذا المنتدى يوفر فرصة للشروع في نقاش مفتوح، موضوعي و فعّال، حول جميع التحديات والتهديدات الكبرى التي تواجه بلادنا. وستكون هناك ثلاث ورش عمل، ستخصص كل منها لنقاش فئة من هذه التحديات أو التهديدات. وسيتواصل هذا النقاش، الذي يكتسي أهمية حيوية، من أجل التوصل إلى إجماع وطني حول القضايا الأساسية، التي ستحدد مستقبل موريتانيا حديثة، موريتانيا القابلة للبقاء، موريتانيا متآخية ومتوازنة في تنوعها، ومنفتحة على المستقبل والتقدم.
وسيُقدّم عرضٌ يتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى في الجلسة العامة الافتتاحية للمنتدى، على أن تتبعه مناقشات مفتوحة، سواء في الجلسات العامة أوفي ورشة عمل، تنظم خصيصا بشأن هذه القضايا. . طبعا، لا يمكننا بالتأكيد، تقديم حلول سحرية لهذه القضايا ضمن الوقت المخصص للمنتدى، ولكنّ هدفَنا هو البدء في نقاش مفتوح وبنّاء، للوصول إلى توافقات وطنية تكون مفيدة للمساعدة على الخروج من الأزمة .
أيها المواطنون الأعزاء،
تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة في سياق وطني متدهور إلى حد كبير، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وبالذات الأخلاقية. لذلك، ولكي تتحقق آمالُنا، فإننا بحاجة إلى رؤية سياسية لإنجاز تغيير ديمقراطي حقيقي في موريتانيا.
إننا نأمل أن تتجسد هذه الرؤية الجديدة، من خلال التجمع الحالي، في إطار هذا المنتدى. ونشعر بالفعل أن جميع الموريتانيين يتطلعون بلهفة إلى نتائجه. ونحن فخورون بأن هذا التجمع قد يمنح فرصة أخيرة لإنقاذ بلدنا.
أيها المواطنون الأعـــزاء،
من الواضح اليوم أن ضوابط انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تمنح فرصا متساوية لمختلف الفاعلين في الحياة السياسية في بلادنا، ليست متوفرة بحال من الأحوال. ولكي تتوفر، نعتقد أن هناك متطلبات أساسية ضرورية، لا مناص من توافرها. ويتعلق الأمر بـ: (أ) إشراف سياسي ذي مصداقية، يضمن حياد الدولة، ومشمولات السلطة العمومية؛ (ب) مؤسسات انتخابية يوثق بها؛ (ج) إعداد تقني كاف. ولا شك أن العرض الذي سيقدم حول الانتخابات الرئاسية ، وتدخلاتِ المشاركين حول هذا الموضوع، الذي ستُفردُ له ورشةٌ خاصة به، تمكن من تطوير هذه المطالب و إثرائها.
أيها المواطنون الأعزاء،
إننا نحن الموريتانيين، بحاجة لمناقشة مشاكلنا معا، لإيجاد حلول لها، وبحاجة إلى أن نتسامح ونتصافح، من أجل استعادة ذلك الوئام الاجتماعي، والتعايش الأسطوري، والالتزام الذي لا يتزعزع، من أجل الحرية والمُثُـل الديمقراطية، والتضامنِ الشعبي الموروث عن الأجداد... تلك القيم التي جعلت منا دائما شعبا مميَّزا، و من بلدنا واحةً للسلام، بفضل تمسكنا بالمثل العليا المتمثلة في الإيمان والتسامح والعمل.
أيها المواطنون الأعزاء،
إن المشروع الطموح، المتمثل في بناء موريتانيا ديمقراطية حقا، تُـدار من طرف دولة قانون حقيقية، تخدم جميع مواطنيها، موريتانيا متآخية ومتضامنة، موريتانيا منفتحة بحزم على المستقبل، إن هذا المشروع يتطلب تعبئة كل الوطنيين في البلاد والتزامهم. ومن هذا المنطلق، تم تنظيم هذا المنتدى الذي ليس غاية في حد ذاته، والذي ستبقى نتائجه حبرا على ورق إذا لم يَضع الأدوات المناسبة لضمان استمرار التزاماتكم وتجسيد عملكم. وفي طليعة تلك الأدوات، خلق إطار مؤسسي مناسب لطبيعة التزام كل مكونة، من المكونات المشاركة في هذا المنتدى: الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والنقابات، والشخصيات المستقلة، والتنظيمات الشبابية الخ. ....
و نأمل أن تشكل المساهمة التمهيدية التي ستُكْمِلُها المناقشات في الجلسات العامة، وفي ورشة العمل المخصصة لهذا الموضوع، إنارة حقيقية لنا جميعا، من أجل تَبَنِّي الخيارات الإستراتيجية والتنظيمية المناسبة لواقعنا ولخصوصية بلادنا.
أيها المواطنون الاعزاء،
من أجل تحقيق أهداف هذا اللقاء، نحتاج إلى انخراط جميع الموريتانيين، وجميع القوى الحية في البلاد، لزيادة فُـرَص نجاح عملنا.
وسواء كان ذلك من خلال الخطب والمداخلات العلنية أو المناقشات داخل ورش العمل الكبرى الثلاث المُبرمجة، فإن مساهماتِكم وآراءَكم وتعليقاتِكم ستكون موضع ترحيب لإثراء مقارباتنا، وتعميق رؤانا، وتوضيح طرق تفكيرنا وعملنا، وإعداد توقعاتنا، وخطط عملنا المستقبلية، من أجل وضع قاعدة للشفافية الانتخابية، في أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة.
إن عزمنا على العمل معا، لإحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في بلادنا، لا يعادله إلا انفتاحُنا واستعدادُنا لكل حوار مسؤولٍ و متوازن.
و يعني ذلك أن اللحظة الراهنة حاسمةٌ في مستقبل بلدنا، وأنه أصبح من الأهمية بمكان ـ بالنسبة لكم، ومن أجل مستقبل أطفالكم ـ البحثُ عن مسارٍ آخر لموريتانيا، يكون أفضل وأكثر أمانا. وهذا هو المسار الذي نقترحه علكيم اليوم باسم منتدى الديمقراطية والوحدة. أيها المواطنون الأعـــزاء، مرة أخرى، نرحب بكم ونتمنى كل النجاح لأعمال ونقاشات المنتدى.
شكرا لكم جميعا!
عاشت الجمهورية الإسلامية الموريتانية!
عاشت الديمقراطية!
و السلام عليكم ورحمة الله