المرحوم محمد المختار ولد سيدي محمد المعروف بباب ولد إجيون وجه سياسي ونقابي معروف دخل معترك السياسة في وقت مبكر من حياته بانخراطه في الحركة الوطنية الديمقراطية التي بقي مخلصا لها وفيا لمبادئها الي حين حلها وتحولها الي حزب سياسي هو حزب اتحاد قوي التقدم الذي كان يشغل فيه عضو المكتب التنفيذي و افدرالي لعصابه إلى حين وفاته في 12 ابريل 2016 وكالة كيفه للأنباء أجرت مع الراحل حوارا في 25 فبراير 2014 هذا نصه:
وكالة كيفه للأنباء : السيد الفدرالي قاطعت منسقية المعارضة الديمقراطية الانتخابات الماضية بما في ذلك حزبكم حزب اتحاد قوى التقدم ، فهل تعتقد أن قواعدكم بولاية لعصابة استجابت لتلك المقاطعة ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه ومن تحلى بهديه وعلى خُلقه، أما بعد فإنني أهنكم على حصول موقعكم على ثقة الكثير من القراء وذلك لموضوعيته وحياده وطرحه للمشاكل الحقيقية للمواطن بولاية لعصابة وإثارة النقاشات حول الأمراض الحقيقية للمجتمع كالقبلية والرق والفساد الإداري والفقر .
إنه من البديهي أن هذا النظام له إرادة قوية في العودة بالموريتانيين إلى ما قبل انقلاب 2005 حيث تكون الانتخابات محسومة مسبقا ومن جهة أخرى فإن له تصفية حسابات مع بعض أطراف النظام آنذاك ، وبعبارة أخرى هو جاد في تدجين الطبقة السياسية بما في ذلك المعارضين له.
إنه نظام لا يتورع عن أية طريقة تخدم هدفه ولو كانت تأجيج النعرات داخل المجتمع بالإضافة لما أشيع من فضائح حول المخدرات " والرصاصة الصديقة " فضلا عن عدم احترامه لاتفاقيات دكار ، مع أن هذا النظام لم يعطي فرصة حقيقية لتحضير متفق عليه للانتخابات .
كانت النقاشات قبيل الانتخابات داخل حزبنا قوية ففريق يريد مقاومة هذا التدجين ويرفض العودة بالديمقراطية إلى ما قبل 2005 .
وفريق آخر يرى أن الأمر أصبح واقعا وأن ما لا يدرك كله لايترك جله و أن قواعد الحزب ستتضرر كثيرا بخروجه من المنافسة المحلية كما ستكون مصالحها في مهب الريح وسيفقد منابر سياسية كان يمرر من خلالها برنامجه ومواقفه ودفاعاته عن المواطنين ويفضح نوايا النظام ؛ وبعبارة واحدة كانت وسيلته لمقاومة النظام كما سيجتاح الساحة فاعلون سياسيون جدد تكون لهم فرص بناء علاقات مع المواطنين ـ وتلك ربما تخدم استيراتيجية ولد عبد العزيز في تجديد الطبقة السياسية ـ ومن لم يكن محصنا تحصينا جيدا من قواعد حزبنا قد تذهب به الموجة خصوصا أن الانتخابات محلية وعوامل التأثير كثيرة من صلة قربى ومصالح مشتركة ...إلخ
ومما يدعم موقف هذه المجموعة الأخيرة أن استيراتيجية الحزب فيما مضى هو تجميع القوى وتبني سياسة الحوار والصرامة والتمسك بالمبادئ ونظافة المواقف والتاريخ شاهد على ما أقول .
وبسبب قوة الحجة والحجة المضادة تأخر الحزب كثيرا في تبني موقف حاسم في الوقت المناسب مما سبب ارتباكا لدى القواعد خاصة وأن الموقف اتخذ بعد طرح بعض لوائح الحزب ، وكان ذلك إحراجا إضافيا كما أن الحزب لم يقم بحملة قوية لشرح موقفه مما أثر سلبا على مواقف بعض القواعد مع اعتقادي جازما من أنها إذا كانت هناك تجاوزات ستكون محدودة ومعزولة وسيعود أصحابها إلى مواقفهم التقليدية .
وكالة كيفه للأنباء : يتردد أن بعض قياديي تقدم قد عمل في الخفاء على دعم مرشحين في هذه الانتخابات ما تعليقكم ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : أذكر أن حزبنا صارم تجاه المناضلين من الصف الأول وخصوصا القياديين منهم ، لأنهم مهيؤون لتولي تسيير الشأن العام مجسدين سياسات الحزب ورؤيته على أرض الواقع ولن يرضى بأن يتبوأ شخص ما موقعا قياديا حتى يتم التأكد من وفائه و إخلاصه ولن يجيب على هذا السؤال إلا من يعنيه الأمر مع أني استبعد ما أشيع من أنباء .
وكالة كيفه للأنباء : ارتبط تاريخ حزب اتحاد قوى التقدم بالتقرب من الفلاحين والفئات المسحوقة لكنه على مستوى كيفه لم يجد أصوات هؤلاء في الانتخابات التي شاركتم فيها فما هي الأسباب ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : إن الحزب تبنى الدفاع عن الفلاحين وعن الفئات المهمشة وتلك مهمته وله نضالات يشهد بها التاريخ السياسي الموريتاني في مكافحة الرق والدفاع عن المظلومين ، وقد نظم مؤخرا مهرجانا للفلاحين في بلدية " ميت " ب (آفطوط ) وعرضت فيه أشكال النضال الذي قيم به خصوصا ما يتعلق بالقضايا العقارية والتعليم واستصدار قوانين تخدم هذه الفئة .
كما دأب الحزب على ترشيح أبنائهم في البلديات والنيابيات من أجل القضاء على الفوارق الاجتماعية الموجودة في مجتمعنا بالإضافة إلى نضالات الحزب الأخرى من اجل يتوزيع عادل للثروات الوطنية وإقامة ديمقراطية حقيقة ومقاومة الفساد الإداري وتفشي المال السياسي في الانتخابات الذي أصبح يستخدم للالتفاف على الديمقراطية .
لكن عكس ماقلتم فإننا حصلنا على كثير من أصواتهم رغم التأثيرات المختلفة في انتخابات 2006 وكنا ثاني حزب من حيث عدد المستشارين في بلدية كيفه وحصلنا على النسبة المطلوبة للترشح لمنصب العمدة كما حصلنا على بلدية باركيول والغبرة آنذاك في ولاية لعصابة .
وكالة كيفه للأنباء : ما تقييمكم للانتخابات الأخيرة ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : بعدما رفضت النخبة السياسية من الموريتانيين انقلاب ولد عبد العزيز 2008 شعر حينها بعزلة داخلية وخارجية جعلته يفكر في إنشاء طبقة سياسية جديدة ـ أدت إلى تعطيل مؤسسات الدولة ـ وقام بتهميش كوادر الدولة الأوائل الذين ساهموا في تأسيسها وكان من الأجدر الاستفادة من خبراتهم والحد من سلبياتهم ،من خلال إرساء ديمقراطية حقيقية ،كما همش بعض أحزاب المعارضة التقليدية ،وخدع البعض الآخر ،حتى أعد العدة لإقصاء منافسيه السياسيين أو تركيعهم . فاستغل بذلك برنامج تقييد السكان ومدده عدة سنوات ،على الرغم من أنه حق يراد من ورائه باطل ،حيث أن ربع الناخبين لم يشملهم التقييد ، والبعض الآخر بقي عاجزا عن استلام بطاقة تعريفه بسب الضريبة المدفوعة مقابل استلامها ، مما منعه من المشاركة في الانتخابات الماضية .
أما مايعني الانتخابات البلدية والنيابية الماضية فلن أقول أكثر مما قاله المشاركون فيها من أنها مهزلة بكل المقاييس، وأطالب من منبركم هذا إلغاءها وتنظيم انتخابات بلدية ونيابية توافقية جديدة، حتي نجنب بلدنا ويلات التجاذبات السياسية والعرقية والمحسوبية التي انزلق فيها كثير من الدول العربية والإفريقية إن كنا رشداء.
وكالة كيفه للأنباء : شارك حزبكم عبر عمدة مساعد في تسيير البلدية الماضية التي يرى الكثيرون أنها فشلت فشلا ذريعا ، ألا تعتبرون ذلك محرجا لكم ومضرا بمصداقيتكم ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : فعلا شارك حزبنا في بلدية كيفه 2006 بترشيحه مناضلا تاريخيا كان يشغل منصب رئيس مساعد لأعلى هيأة في الحزب، وكان أيضا أمينا عاما مساعدا لإحدى النقابات الوطنية ، و له تضحيات في سبيل الشغيلة الوطنية حتى فقد وظيفته بفعل ظلم النظام آنذاك ، لذلك رشحه الحزب ليدافع عن مصالح الفئات المحرومة ، وتحالفنا مع مجموعة من أحزاب المعارضة آنذاك وكنا قادرين على إرجاع المكتب البلدي لرشده كلما انحرف بالنضالات السلمية وتحريك الشارع بالضغط الديمقراطي عليه، لأن النظام يومها كان ديمقراطيا حقيقيا ، والشارع جزء من الديمقراطية إذا كان واعيا ، ومهما كانت استقامة الحاكم فلا بد أن يشعر برادع شعبي وإلا فمآله الفساد إلا من رحم ربي .
لكننا فوجئنا بانقلاب 2008 وانشغل الحزب بمقاومة الانقلاب والدفاع عن الديمقراطية المسلوبة فأحتمى العمدة المساعد المذكور بالنظام وارتمى في أحضان الانقلابيين وأعلن انسحابه من حزبنا لذالك لم تعد تصرفاته تحسب علينا.
وكالة كيفه للأنباء : من الملاحظ أن حزبكم بكيفه كان ذو علاقة بالمرحوم محمد محمود ولد محمد الراظي رغم كونه انضم للموالاة آنذاك ، هل ربطتم نفس العلاقة بنجله سيدي محمد ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : محمد محمود ولد محمد الراظي رحمه الله كان شخصية وطنية ناضل مبكرا بعيد خروج المستعمر الفرنسي من أجل استقلال موريتانيا ثقافيا واقتصادا كما عمل من أجل وحدة شعبنا والمساواة بين فئاته وإقامة عدالة اجتماعية وتاريخه حافل بالمواقف المشرفة التي تخدم السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والديمقراطية الحقيقة وأقترح على وكالتكم "وكالة كيفه للأنباء "حفل تأبين تظهرون من خلاله شمائل المرحوم فيما يخدم التلاحم الوطني والدفاع عن الطبقات الأكثر هشاشة وما يحد من سلبيات القبلية لأنه ترأس في آخر حياته مجموعته القبلية لكن لم يمنعه ذلك من مقاومة الظلم والوقوف في وجه العسكر عندما انقلب على الحكم الديمقراطي يومها، وكان موقفا يستحق الاحترام ومثالا يحتذى لمن يترأس إحدى المجموعات القبلية من أجل مصلحة شعوبهم وحفاظا على الأمة الموريتانية شامخة الرأس ولا شك أنه ترك لحزب اتحاد قوى التقدم التقدير والاحترام لمجموعته ولن تذهب تضحياته سدا .
وكالة كيفه للأنباء : تمتاز هذه السنة بتدهور المحاصيل الزراعية وقلة الغطاء العشبي مع ارتفاع الأسعار ، فهل تنوي فدرالية حزب اتحاد قوى التقدم اتخاذ موقف أو تدشين أنشطة للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : شهدت ولاية لعصابة هذه السنة نقصا كبيرا في الأمطار ، مما أثر سلبا على الإنتاج الزراعي وسيأثر لا محالة على الثروة الحيوانية، المصدران الرئيسيان اللذان يعتمد عليهما المواطن في حياته اليومية . ضف إلى ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجمة عن التصاعد المتكرر لسعر البنزين وقلة المشاريع المدرة للدخل للسكان وتزايد البطالة وغياب الرقابة على الأسواق، مع تفشي المضاربات، وعدم جدوائية حوانيت أمل ،وعدم الرقابة عليها ، ومن الملاحظ أن جميع الهيئات الدولية نادت بالتدخل السريع لتجنب المجاعة في موريتانيا ،والسلطات في غفلة من أمرها وولد عبد العزيز لايهمه سوى كرسي الرآسة ،في حين يموت الشعب جوعا وعطشا ومرضا وجهلا ،خصوصا أن هذه السنة سنة انتخابات ، لذا نحمل السلطات مسؤولية ما قد ينجر بسبب هذه الأوضاع المزرية .
وكالة كيفه للأنباء : تشهد هذه الولاية صحوة قبلية غير مسبوقة فإلى ما تردون ذلك وهل اتخذ حزبكم إجراءات أو قام بأنشطة ضد هذه الانتكاسة ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : دأبت الأنظمة العسكرية على استخدام التنظيمات القبلية واستغلال التناقضات داخلها لإرساء حكمها ولتدجين السياسيين المناوئين لها ، وإحباط محاولات النهوض بأمتنا إلى صفوف الأمم المتقدمة ديمقراطيا ، كما يستخدمونها لتهميش الأحزاب السياسية، والالتفاف على الديمقراطية ،مما يسد الباب أمام التناوب السلمي على السلطة ، وانتهز هذه الفرصة لألفت انتباه قادة هذه المجموعات ومن يحمل الفكر القبلي على المخاطر التي تحدق بالبلاد بفعل سياسات هذا النظام، وأن يأخذوا العبرة من تاريخ المجموعات القبلية قبل دخول المستعمر الفرنسي في أراضي البلاد السائبة ، ومما يجري الآن في اليمن والعراق وسوريا وليبيا ووسط إفريقيا ومالي بسبب التعصب والإقصاء، وأن يجنبوا وطنهم هذه المحن بالاصطفاف إلى جانب الشعوب التي تتوق للحرية والديمقراطية الحقيقية .
إن انقلاب 2008 كان انتكاسة وارتدادا في مجال الثقافة الديمقراطية وروح المواطنة، وشكل رسالة واضحة تلقفها صيادو المياه العكرة ، إنها ثان انتكاسة بعد انقلاب 1978 حينها كانت الأفكار القبلية وحتى الانتماء القبلي يعتبر تخلفا وعائقا أمام الوحدة الوطنية وبناء دولة القانون ، وسبيلا للفساد الإداري والمالي .
ومن هذا المنبر أوجه نداء لأئمتنا وفقهائنا بأن يساهموا في ردإ المخاطر المحدقة بنا ، عن طريق نبذ العصبية العنصرية والقبلية، باعتبارهما من أخطر ما يسبب الشحناء بين الناس، خصوصا أنهما طريق قصير ومطية لوصول من ليست له الكفاءة العلمية والأخلاقية للكراسي التي تتحكم في مصالح المسلمين ورقابهم ، واكرر النداء للأئمة بصفة خاصة بأن يقفوا كما كان يقف ملهم الأمة وقائدها ومنقذ البشرية سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل المساوات ونبذ التباغض و بث المحبة ، فهم من يقفون خمس مرات لليوم أمام جموع المصلين وهم في حالة نفسية قابلة للانصياع وهو ما يعينهم لإصلاح الدارين إذا ما أحسن استغلال المقام .
يقول تعالى " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ".
وكالة كيفه للأنباء : هل من كلمة أخيرة ؟
محمد المختار ولد سيدي محمد : لن أنهي كلمتي قبل أن أوجه نداء خاصا لوسائل الإعلام الحرة المرئية منها والمكتوبة لتوخي الحذر والدقة حتى يجنبونا الفتنة، لأن مجتمعنا حديث العهد بحرية الإعلام و العلام سلاح ذو حدين: فمن أحسن استخدامه فسيساهم في تقدم البلد وإسعاد المواطن، ومن أساء استخدامه فستكون الكارثة لا قدر الله .
كما أوجه تهنئة خالصة لمناضلي اتحاد قوى التقدم الذين هم صمام أمان وحدة شعبنا على تمسكهم بوحدة الحزب ، خصوصا بعد قرار مقاطعة الانتخابات الاخيرة الذي كان صعبا وأخص بالذكر قادتة .
وأشكركم . !