الإنسان ابن وطنه الذي عاش فيه طفولته وقضى في مرابعه شبابه ولا يلام على ذلك فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثلة في حب الوطن والحنين إليه والتعلق به فلما خرج من مكة خاطبها بمشاعر الحب والحنين والشوق فقال " أما والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" وكذالك حال صحابته كما في قصة أبو بكر الصديق وبلال في صحيح البخاري تحت باب عيادة النساء للرجال ولله در الشاعر محمدى ولد أحمد فال الجكني الذي يقول في لبحير مسقط رأسه ومصدر عزه وفخره. ألا يا بحير الصفو واللهو والأنسِ
عليك سلام الله يا وجنة الشمس
عليك سلام الله يا مرتع الصبا
ويا مجمع الأحباب والأهل والجنس
ويا ثمرة الألباب يا روضة الهنا
ويا مذهب الآلام في الروح والنفس
ويا موقد الأشواق جئتك ثانيا
ولكن برق الشيب يبدو على رأس
ولم تسلني مصر وزهو نعيمها
ولم ينسني منها سرير ولا كرسي
ولم تنسني سعدى ولا البين والنوى
ولم أنس لا أنسى ولو كنت في رمس
إلا أنه مع تعلقه بوطنه وحبه له قد تدفعه ظروف معينة كطلب العلم للهجرة عنه والابتعاد عن ساكنه. لكن أن يهاجر من أجل وظيفة أو دخل أفضل عن بلد يمتع بموارد اقتصادية وثروات طبيعية هائلة ولا يتجاوز سكانه أربعة ملايين نسمة. فذلك ما يتطلب مساءلة للأسباب الكامنة وراء هدر الطاقات والموارد البشرية والطبيعية.
إن ظاهرة هجرة الشباب الموريتاني وخاصة أصحاب الكفاءات العلمية والتخصصات الشرعية والمواهب اللدنية أمرا مخيفا له تداعياته وآثاره السلبية. وتتمثل تلك الآثار السلبية من حرمان مجتمعنا بل وحتى الدولة ومؤسساتها من الاستفادة من مؤهلات و خبرات أصحاب تلك الكفاءات في المجال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. و ترجع تلك الظاهرة إلى أسباب عدة منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا أن العامل الأكثر تأثيرا هو العامل الاقتصادي. فتدني دخل الفرد بل وانعدامه في بعض الأحيان هو ما أدى لهجرة الشباب من أصحاب الكفاءات العالية وخاصة في الآونة الأخيرة للمشرق أو المغرب العربي... فإذا لم تقم الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية على اختلاف تنوعها ومشاربها وهيئات المجتمع المدني بأفراده بدراسة الظاهرة من جميع نواحيها و البحث عن الحلول المناسبة لها فلربما يتفاقم الأمر حتى يصل إلى هجرة باقي الشباب و بالمناسبة فإننا نتفاءل بالمبادرة المزمع القيام بها بخصوص لقاء الرئيس لبعض الشباب والاستماع لمشاكلهم وآرائهم وما يحملوه من هموم وطموحات. لكن هناك شريحة من الشباب ينبغي أن تولى اهتماما خاصا من طرف القائمين على الشأن العامة وخاصة رئيس الجمهورية وهم طلاب الشريعة الإسلامية من قراء وفقهاء ودعاة ومرشدين فهؤلاء على الأقل يجب ان تتاح لهم فرص العمل كغيرهم من الشباب وإن كان الأولى أن يفوقوهم بأضعاف مضاعفة.. فإكرامهم وخلق فرص العمل لهم هو من إجلال الله تبارك وتعالى كما في سنن أبي داوود وحسنه الألباني سلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" و من المؤسف في الجمهورية الإسلامية الموريتانية أن تهمل تلك الشريحة من ورثة الأنبياء و أهل الله وخاصته وأن لا يجدوا من الإكرام والتبجيل داخل بلدهم ما يجدوه خارجه و لا يوجد في بلاد المنارة والرباط أمام طلاب الشريعة سوى فرص قليلة في التعليم والقضاء . و في الختام فإن من واجب الدولة عدم إهمال الشباب وخاصة تلك الشريحة وذلك.
• 1: خلق فرص عمل لهم ذات دخل كاف أو منحهم قروضا لتمويل مشاريع تجارية.
• 2: وضع إستراتجية جادة لعودة بعض أصحاب الكفاءات العلمية للبلد والاستفادة من تجاربهم ومؤهلاتهم العلمية
• 3: أن لا يكون توظيف الشباب على أساس المحسوبية والقبلية بل على أساس الكفاءة والأمانة فمن قدم شخصا في وظيفة وفي القوم من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله كما أخرج الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين" • 4: أن لا يقتصر توظيف الشباب على اكتتابهم كأساتذة ومعلمين بل ان يدمجوا في الوزارات والإدارات باختلافها. • 5: تقديم الدعم المحفز.. المادي والمعنوي لأصحاب الوظائف من الشباب ليستمروا في العمل ويخلصوا فيه.