أيها القارئ الفطن والسامع الذقن إني أحيطك علما بقصة امرأة تكابد حالة إنسانية مؤلمة تستدعي مني ومنك أن نقف معها بتعاطف وتآزر، وهي أنها تعاني مشاكل جمة حيث تعيش بلا هوية ولا جنسية، ولدت في زمن الكذب وعاشت على أرض الظلم، وأنا على يقين بمعرفتك بها وحبك إياها، فقد ذاع صيتها وطارت شهرتها، لما تتمتع به من سمعة طيبة لدى شعوب العالم كافة، فهي سليمة الصدر نيرة القلب لا تحمل حقدا ولا بغضا لأحد، تحب للناس ما تحبه لنفسها وتكره لهم ما تكرهه لها، لا ترضى بالظلم ولا تبيت على الضيم، وتتميز بالانضباط والنظام والإتقان للعمل. وإن كانت الاشارة لا تكفيك والتلميح لا يغنيك فهي سيدة كريمة الأصل والمنبع تدعى "الشفافية" تنحدر من أسرة طيبة اشتهرت بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وحسن النية وسلامة الطوية، والدها "الحق" وأمها "العدالة" وأخوها "الصدق" وأختها "الأمانة". وقد ورثت عنهم الفضل الكثير والمجد التليد، إلا أنها بدل أن تعيش في رفاهية كما تستحق صارت تتجرع مرارة الظلم، وتدفع ثمن البراءة بقذفها وتشويه سمعتها من قبل بعض القادة السياسيين الذين يتخذون من حسن سمعتها شعارا براقا يرتكبون الجرائم من غش وتدليس ورشوة وتزوير، فلا تكاد تجرى انتخابات مزورة أو تبرم صفقات مشبوهة إلا قال المشرفون عليها إنها تمت بشفافية كاملة. وينطبق الأمر ذاته على الأحزاب السياسية والمؤسسات غير الحكومية والمنظمات الدولية والمحلية، التي يلعب أصحابها بمشاعر الناس ويضللونهم بدعايات خاطئة كاذبة، مفادها أنهم يعملون بشفافية كذلك. هذا الاستغلال الخبيث جعلها تشعر باشمئزاز شديد قزز في نفسها واقشعر منه بدنها، فعَقدَت العزم على مقاضاة هؤلاء المسئولين أمام المحاكم! وحين قدمت شكواها إلى القاضي وناشدته إنصافها، وعدها بالنظر في قضيتها بـ"شفافية"! فازدادت كئابة واعتبرتها إهانة جديدة تضاف إلى سابقاتها. فقالت له أيها القاضي إنما جئتك أشكو إليك استغلال اسمي وتشويه سمعتي، وها أنت تمعن في غيك وتتمادى في طغيانك، فقال لا بأس عليك! سأنظر في أمرك بأمانة وأحكم فيه بعدالة! فصاحت وولولت وقالت والله لا أقبل منك أن تستظل سُمعت أمي وأختي كما اسْتغليت سمعتي وشوهت عرضي، أما تعلم أن العدالة أمي والأمانة أختي؟! فما كان منه إلا أن فكر وقدر ثم عَدَلَ عن هذه العبارات واستبدلها بأخرى، وقال والله لن أحكم عليك إلا بـ"الحق" ولن أقول فيك غير "الصدق" فقالت له أيها القاضي العنيد والحَكَم الصنديد إن لم ترعوي عن جرمك وتلوي عن حيفك فسيكون لي معك شأن يضرك ولا يسُرك! حينها تمعر وجه القاضي ثم عبس وبسر ونظر إليها وقال ما هو الحل إذن؟ فقالت الحل أن تمارس مهامك دون شعارات ولا دعايات وتريحني وأسرتي من الاستغلال الذي طالما اختلسَت به الأموال وزوّرت به الحقائق، وتكتب لي بذلك وثيقة توزع على الحكومات والأحزاب السياسية والمنظمات الدولية، أن من شوه سمعتي وانتحل صفتي نال عوقب بما يستحق..