قد يكون من الضروري في نهاية المأمورية الأولى للسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن نتوقف قليلا مع ما تحقق من برنامجه الانتخابي خلال السنوات الخمس الماضية، ولن يكون ذلك على طريقة تقديم بعض النسب المئوية التقديرية لما تحقق من انجازات، والتي يعتقد الرئيس وموالاته بأنها قد وصلت في العام الرابع من المأمورية إلى 80%، بل إننا سنكتفي في هذه السلسلة من المقالات بالتوقف مع بعض الشعارات الانتخابية في حملة المرشح محمد ولد عبد العزيز في رئاسيات 2009، وستكون البداية مع شعار "موريتانيا الجديدة".
ولعلكم تذكرون جيدا تلك اللافتات الكبيرة التي ارتفعت في سماء نواكشوط، وفي مدن أخرى، خلال رئاسيات 2009، والتي ظهرت فيها عمارات شاهقة جدا، وشوارع فسيحة جدا، قيل لبسطاء الناس بأنها ستشيد في موريتانيا الجديدة في حالة نجاح المرشح محمد ولد عبد العزيز.
نجح المرشح محمد ولد عبد العزيز، وبدأ في تنفيذ برنامجه الانتخابي، ومر عام، و مر عامان، ومرت ثلاثة أعوام، ومرت أربعة، ومع ذلك فلم تظهر لنا، وحتى الآن، تلك العمارات الشاهقة، ولا تلك الشوارع الفسيحة على أرض موريتانيا الجديدة، بل ظهرت لنا صور أخرى مناقضة تماما لتلك الصور.
ظهرت شوارع مقعرة مليئة بالمياه الراكدة، وشاهدنا المساكن والمباني الإدارية تحاصرها مياه الأمطار، وشاهدنا زحمة غير مسبوقة، لدرجة أصبح فيها مجرد التفكير في الذهاب إلى قلب العاصمة يحتاج إلى شجاعة وجرأة قد لا تتوفر عند الكثير من الناس. شاهدنا بعض السائقين يتركون سياراتهم في الزحمة ليسيروا مع المشاة، أو ليسبحوا مع السابحين في البرك الراكدة على الشوارع، شاهدنا كل ذلك، في شوارع موريتانيا الجديدة، وشاهدنا رئيس موريتانيا الجديدة يتجاهل كل ذلك، وشاهدناه يخرج ذات يوم مثير ليغرس شجيرة على كثبان رملي، وكأنه أراد بذلك أن يمعن في استفزاز المنكوبين و الضحايا.
وليتنا لم نشاهد غير ذلك..
لقد شاهدنا في موريتانيا الجديدة مصائب وكوارث لم نكن نتوقع حدوثها إطلاقا، وكان من أعظم تلك المصائب أن يساء إلى حبيبنا و نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في موريتانيا الجديدة، وشاهدنا من قبل تلك الإساءة أفلاما خليعة، وأغاني بذيئة، وموجة إلحادية، ما كان لها أن تظهر إلا في موريتانيا الجديدة.
وفي المقابل شاهدنا أيضا ولأول مرة علم القاعدة يرفرف ضحى في سماء عاصمتينا الاقتصادية والسياسية، وشاهدنا كذلك رجل أعمال يعرض الملايين لمن يأتيه برأس ملحد، وكأننا لم نعد في دولة قادرة على معاقبة المجرمين.
شاهدنا في موريتانيا الجديدة قبائل تتصارع، وأخرى تتصالح. شاهدنا أهل "الساحل" يجتمعون، وأهل "الشرق" يتذمرون، وأهل "الكبلة" يتشاورن، والكل يقول بأنه لم يعد ليقبل بالتهميش. شاهدنا الشباب يشارك في تلك الاجتماعات القبلية والجهوية، وسمعنا خطابات لبعض المثقفين لا تختلف في أي شيء عن خطابات شيوخ القبائل في القرون العابرة.
شاهدنا في موريتانيا الجديدة شبابا يهددون بحرق جنسياتهم، وشبابا يهددون بحرق شهاداتهم، وشاهدنا من يحرق كتبا فقهية، وشاهدنا من يحرق نفسه عند أسوار القصر الرئاسي.
وشاهدنا في موريتانيا الجديدة، وفي جامعتها الفتية، معارك عرقية، تم تعيين أحد فرسانها الشباب في وظيفة لم يكن يحلم بها في القصر الرئاسي، وسمعنا عن دعوات عنصرية هنا وهناك، وسمعنا كذلك عن دعوات انفصالية تطالب بحكم ذاتي لمدن الضفة.
وفي موريتانيا الجديدة شاهدنا العلم السنغالي يرفرف في مسيرة شعبية تم تنظيمها في قلب العاصمة نواكشوط. وبالمجمل ففي موريتانيا الجديدة لا صوت يعلو فوق صوت المتطرفين من كل الشرائح والأعراق، فلا خطاب وطني جامع، وإنما هي خطابات فئوية وعرقية وقبلية تأتي من هنا ومن هناك. وفي موريتانيا الجديدة ظهرت حركة "لا تغلط" للدفاع عن شريحة البيظان، وبدأت تظهر في مواقع التواصل الاجتماعي جماعات تدعو لتأسيس حركة الدفاع عن الزوايا، وأخرى تدعو "لعْرب" لحمل السلاح في وجه الزوايا ولحراطين ولمعلمين ... وفي موريتانيا الجديدة علا كثيرا صوت السيد "بيرام" الذي لا يمكن أن يتلفظ بكلمتين إلا وكانت إحداهما في سب وشتم البيظان ، ولقد أحصى له أحد الفيسبوكيين في مقابلة مع قناة "الساحل" كلمة أنتم ثمانين مرة، وهو يقصد بكلمة أنتم شريحة البيظان بدون لحراطين، تلكم الشريحة التي نالت نصيبا كبيرا من السب والشتم البيرامي من موقع "الأخبار" في مرحلة أولى، والذي تحول فيما بعد إلى موقع استعبادي، وفي قناة "الساحل" في مرحلة ثانية، والتي ستتحول حتما إلى قناة استعبادية عندما تسوء علاقتها بالسيد "بيرام"، كما ساءت علاقته من قبل بموقع الأخبار. وفي موريتانيا الجديدة ظهرت حركة "لا تلمس جنسيتي"، والتي يقول منسقها السيد "عبدول وان بيران" في جواب على سؤال لجون آفريك : "في الوقت الذي نحن فيه على يقين بأننا نشكل الأغلبية بالمقارنة مع العرب البربر، لا يزال الزنوج الموريتانيون يتعرضون للتمييز في جميع القطاعات، وبما أننا مقتنعون بأن هناك تغييرا سياسيا حتميا في موريتانيا، لا نريد، عندما يأتي ذلك اليوم، أن يتفرق الزنوج، في أحزاب بقيادة العرب البرابرة أو الحراطين، ولهذا السبب لن ندخر جهدا لكي تكون جميع القوى الزنجية الموريتانية ممثلة بقطب واحد، قوي وموحد".
في موريتانيا الجديدة سمعنا عن شيعة، وعن حسينيات، وعن سفارة إيرانية نشطة. وفي موريتانيا الجديدة شاهدنا كل المصائب بما في ذلك مسيرات تطالب بعودة الرئيس الأسبق معاوية، وترفع شعار : " كفاك من قطر..فوطنك في خطر".
في موريتانيا الجديدة أصبحت لدينا عشرات العناوين لحروب أهلية، منها ما هو ديني (الفكر الإلحادي، الفكر المتطرف، المذهب الشيعي)، ومنها ما هو عرقي وطائفي وجهوي.
والمتأمل في حال موريتانيا الجديدة ربما تذهب به الظنون بعيدا، وربما يعتقد بأن هناك إرادة جادة، وعملا منظما، لتفكيك هذه البلد، وإلى تحويله إلى مجموعة دويلات تتناحر فيها القبائل والأعراق والشرائح.
لقد حاولتُ جاهدا أن أفهم لماذا أصر الرئيس محمد ولد عبد العزيز على إعادة ترشيح النائب "أسلامة ولد عبد الله" رغم رفض أهل كرو له؟ ولماذا أرسل أربعة وزراء لدعم هذا المرشح دون غيره؟ ولماذا تم عقاب قبيلة بكاملها بسبب فشل هذا المرشح في الفوز؟
فهل السبب في ذلك هو أن هذا النائب كان قد تميز عن غيره من نواب الأغلبية بأنه كان هو النائب الوحيد الذي تجرأ ذات يوم برلماني بائس على أن يصف موريتانيا بالدويلة؟ وهل ذلك الوصف هو تعبير صادق عن إرادة عليا تسعى لأن تجعل من موريتانيا دويلة أو مجموعة دويلات متناحرة؟
الطريف في الأمر هو أن الحزب الوحيد الذي تسمى باسم موريتانيا الحديثة كان هو الحزب الذي حصل على أقل نسبة من الأصوات على عموم التراب الوطني في أول انتخابات تشريعية وبلدية يتم تنظيمها على أرض موريتانيا الجديدة، فلم يحصل هذا الحزب إلا على 14 صوتا فقط في انتخابات 23 من نوفمبر، فهل أن أولئك الأربعة عشر الذين صوتوا لموريتانيا الحديثة هم الذين ما زالوا يعتقدون بوجود موريتانيا جديدة بعد أربع سنوات من البدء في تأسيسها؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
أقلام