يسرني أن يرتفع علم بلادي خفاقا في المحافل الدولية ، وأن يطير اسمها عبر كافة أصقاع المعمورة.
ولن تكون فرحتي ذات حدود عندما يحقق منتخب بلادي نصرا هنا أو هناك. ولست بحاجة للبرهنة على صدق ذلك ، فهو أمر لا تستشير فيه نفسي ذاتي، إذ هو نابع من الخلجات والوجدان واللاشعور.
التبرع فضيلة لا مراء فيها ، وخصلة محمودة حثت عليها نواميس والأرض والسماء ، وهي في بلدي أعظم وأجل ، ولكن ترتيب الأولويات في بلادي ظل مسألة ثانوية ، وهو شيء متغير يميل مع مزاج الحاكم حيث مال.
لا أدعو في هذا المنوال إلى مقاطعة حملة التبرع لصالح المنتخب الوطني وإن كانت مفزعة ، مذكرة بحالات الطوارئ والكوارث وعام التسفير.
و في جانب منها أيضا هي مسألة محاباة لرأس النظام كما حصل "لقصر الشعب" و " للكتاب " وللأمية " في زمن سابق .
لن أتبرع للمنتخب الوطني مادامت أمهات لي وأخوات وجارات مدفوعات بضيق اليد وضغط الحياة وضنك العيش يصطففن فجرا في برد الشتاء القارس أمام أبواب دكاكين " عزيز " للحصول على لتر من الزيت أو سمكة " ياي بوي" ؛هي رمق أطفالهم وكأن ذلك السهم الحقير، هو جملة ما يستحقون من ثروات بلادهم الطائلة.
لن أتبرع للمنتخب الوطني ما دام مستشفى كيفه بدون تجهيزات وما دامت أسرته بالية وصيدليته خاوية وسيارة إسعافه وحيدة .
كيف أتبرع وأغلب قرى ولايتي مفتقرة إلى ممرض يقدم إسعافات أولية أو قرص أو قطعة قطن ، ومن ذا الذي يطلب مني التبرع وأطفالنا يموتون في كل مكان من لسعة عقرب أو ضربة شمس أو نوبة ملاريا.
لا لن أتبرع للمنتخب الوطني ما دامت أختي الحامل في " بمب صاله" و"جفتن" و"بوسريويل" يدفعها المخاض إلى وضع طفلها على عربة حمار ملتمسة الطريق إلى اقرب مركز صحي.
لن أتبرع للمنتخب الوطني ما دام مزارعو " مقطع اسفيره" و"الدحاره" و"الخشبه" و" لعويسي " يعملون بأدوات أجدادهم في العصور الحجرية وبذات الأسلوب وماداموا متروكين على هامش الحياة : لا سدود ، لا سياج ، لا بذور ، لا أسمدة ولا دعمات أخرى في أرض هي ملك زعماء القبائل والنافذين والأغنياء ...
لن أتبرع للمنتخب الوطني مادام فقراء من بني شعبي يقتاتون من عائدات تافهة لصحون فحم و "آز" ونبق جمعوها بعرق الجبين من أودية أفله أو لمسيله أو آفطوط .
كيف أتبرع للمنتخب الوطني وكافة مدارس ولايتي دون أبواب ونوافذ وما دام المعلم " الرسول" محتقر جامع لمائة رأس من التلاميذ في غرفة واحدة ضيقة ، مظلمة ومتهالكة.
لا لن أتبرع مادمت مدرسة " العجله" في ذلك العريش المخزي ومثيلاتها كثيرة في باقي القرى والأرياف.
لن أتبرع مادامت أحياء : المطار ، التميشه ، السيف وغيرها دون ماء وكهرباء ، ومادام سكان " كفيره" و"أركاب " و" الطبال" لا يجدون شربة ماء نظيفة لأطفالهم.
لن أتبرع للمنتخب الوطني والمنمون في " آكواليل" ، و" الهيه" " ، و"الجنكه" و " العدله" لا يجدون المياه لسقاية أنفسهم ومواشيهم.
لن أتبرع لهذا المنتخب الوطني بدينار واحد ما دام من بين بني وطني جياع يتضورون ومرضى يئنون وعاطلي عمل يتيهون.
لن أتبرع مادام القائمون على شؤوننا ، المتحكمون في رقابنا يملأون الدنيا ويشغلون الناس بالحديث عن الطفرة والانجازات ويقولون إن كل شيء على ما يرام.