بامتزاج الأهازيج والألحان والإيقاعات التي ترافقها رقصات تعبيرية لا تخلو من فن راق وحماسة شديدة ينطلق العرس الموريتاني وسط تجمع الأهالي والعشائر والأصدقاء، كل تدفعه عصبيته القبلية الى الذود عن احد العروسين ورفع مكانته فوق الآخر، فالعرس كغيره من مظاهر الحياة بموريتانيا يخضع لتعاليم ومبادئ القبلية الأصيلة والتي تعبر عن مدى اعتزاز أبناء القبائل بأصلهم وافتخارهم بأمجاد أسلافهم. وتختلف طقوس الزفاف بحسب المناطق فللمناطق الشرقية منها تقاليد وأعراف خاصة كما للشمالية والجنوبية، في حين تشكل طقوس المنطقة الوسطى مزيجا من عادات الزفاف بموريتانيا. وتبدأ مراسم الزواج عادة بتقدم أهل العريس لطلب يد العروس من أهلها، وبعد الاتفاق على يوم العرس تسارع عائلتي العروسين وخاصة عائلة العروس بالتحضير ليوم الموعود بنحر جمل وعقد الزيجة التي تبدأ بقراءة الفاتحة والدعاء وتسمية المهر الذي لا يقل عن ربع دينار ويمكن ان يتجاوز ذلك بكثير حسب امكانيات العريس ورغبة العشيرة في التفاخر. وقد يشتمل المهر على ملابس وذهب وعقار وعموما لم تعد المهور مرتفعة بسبب غلاء المعيشة وتدني الرواتب. وبعد تحرير العقد تتعالى الأهازيج الفولكلورية ودف الطبول داخل الخيام المنصوبة والمميزة للمجتمع الموريتاني المشهود له بالكرم والسخاء، حيث أن طبيعة الخيمة الموريتانية المفتوحة على أربع جهات تدل على انفتاح صدر الموريتانيين للضيوف. وبعد مأدبة العشاء الفاخرة يبدأ الاستعداد للزفة أو ما يسمى محليا بـ«الترواح» وهو ذروة العرس الموريتاني حيث تزف العروس في أجواء احتفالية مصحوبة بالأهازيج والأغاني والأشعار وأهمها أغنية «عروس الخير» حيث يردد المطربون: "عروس الخير يا الله إلا هيه ان شاء الله لا تجونا ما جبتوها ساريات الناس رقود عروس الدرج يا الله إلا هيه ان شاء الله". وهي الأغنية الوحيدة التي تنشد في الزفة. فتبدأ الحفلة الرسمية بحضور العروس التي ترتدي "ملحفة" سوداء وعليها شال ابيض على الوجه دليلاً على بكريتها وتغطى وجهها استحياءً وتعبيرا منها عن عدم رغبتها في الزواج، بينما يرتدي العريس "دراعة" بيضاء وعليها شال اسود. ولا تغيب الفصاحة عن العرس الموريتاني حيث يتبارز الشعراء في أمسية الزفاف بقول أبيات تناسب المقام الذي ينشده المطرب، أشعار تفاخر بنسب العروسين وأمجاد أسلافهما. ومع تقاسيم «أردين» (وهي آلة وترية تقليدية) ونغمات «التدنيت» ودقات الطبول ورائحة البخور يتواصل الغناء والرقص والأشعار حتى ساعات متأخرة من الليل. ثم يبدأ مشهد آخر تمنع فيه السيدات العروس من الذهاب الى بيت العريس في الليلة الأولى ويحاول أصدقاء العريس انتزاع العروس من بين صديقاتها وجلبها للعريس دلالة على مدى قدرته على مواجهة كافة الصعاب من اجل الحصول على عروسه. وتسمى هذه الحرب الضروس التي تتم قبل الدخلة بـ «القيلوع» على أن تستمر هذه الحرب حتى بعد العرس بأيام حيث تبدأ النساء محاولات جديدة لإخفاء العروس من اجل التأكد من قدرة العريس على اكتشاف مكانها. ومؤخرا ضاق الشباب الموريتاني ذرعا بهذه العادات فابتدع فكرة السفر لقضاء شهر العسل بعد الدخلة مباشرة حتى لا يقع فريسة لقريبات عروسه. ويحتفل بدو الصحراء بعرسهم ويزفون عروسهم على الهودج الذي تمايل متراقصا على سنام جمل تخطو خفوفه بتأن ووقار، وكأنه يعي انه يحمل العروس، التي تكون قد نال التعب والجهد منها كثيرا بسبب التحضيرات التي تسبق العرس من استعمال وصفات زيادة الوزن وصفاء البشرة اضافة الى عملية الحناء والتي قد تستمر ليومين تامين، كما يتم تجميل العروس بوضع الأحجار الكريمة على رأسها وتطييبها بالبخور. والعرس البدوي الموريتاني لا يختلف كثيراً في طقوسه عن البوادي العربية الأخرى حيث يبدأ التعارف بين العروسين عن طريق الترشيح من الاصدقاء والأقارب فيتم إرسال الأهل في وفد كبير للتباحث حول الخطبة وموعد العقد. ويتم العرس وسط أجواء من البساطة والحياة المرحة التي لا مجال فيها للتكليف. ولعل ولع الموريتانيين بالبادية جعلهم يفضلون اقامة أعراسهم بها وهي موضة منتشرة بكثرة هذه الأيام فأهل المدينة يحنون الى البداوة للاستمتاع بأجواء من الهدوء والتلذذ بصفاء الطبيعة المصحوب بالأهازيج والأشعار.