جاءت المسرحية الانتخابية التي اكتملت أغلب فصولها لتعمق الأزمة السياسية و تجذر حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد منذ الانقلاب على الشرعية، وما تلا ذلك من تطاول على المؤسسات الدستورية، خاصة المؤسسة التشريعية التي عملت لسنوات خارج القانون وبدون صلاحية، أمام عجز النظام الانقلابي القائم عن تنظيم انتخابات ذات مصداقية؛ الأمر الذي دفعه في الأخير إلى القفز نحو المجهول والشروع بتهور في مهزلة انتخابية أحادية لم تكتمل الشروط السياسية ولا الفنية اللوجستية لتنظيمها:
فعلى المستوى السياسي غابت أغلب أحزاب المعارضة الموريتانية عن المشاركة في هذه الانتخابات نظرا لعدم توفر أبسط ضمانات الشفافية؛ شأنها في ذلك شأن المراقبين الدوليين من البلدان والهيئات الديمقراطية خاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وعلى المستوى الفني أثبتت الهيئات المشرفة على تنظيم هذه الانتخابات فشلها الذريع؛ الأمر الذي انعكس في التأخر الكبير في إعلان النتائج والتراجع عن بعضها بعد إعلانه بصفة رسمية مما سبب موجة من الاحتجاجات شملت أنحاء البلاد.
ويأتي تأجيل الشوط الثاني لمدة أسبوعين الذي لا يرتكز على أي سند قانوني - في سابقة من نوعها في تاريخ البلاد- ليكرس الفشل في تنظيم انتخابات اعتبرت الأسوأ بشهادة المشاركين فيها، وهي انتخابات عمقت مجرياتها الأزمة وزادت الشرخ بين الطيف السياسي في البلد من خلال:
1)- إقصاء الطيف السياسي المعارض سبيلا إلى انفراد النظام بالقرار،
2)- غياب الدولة كمرجعية ناظمة وضابطة لكل مكونات المجتمع فاسحة المجال أمام القبلية والجهوية والفئوية،
3)- انفراد رأس السلطة التنفيذية بإمكانات وموارد الدولة وتسخيرها لتحقيق غايات شعبوية
4)- إقحام مؤسسات يفترض فيها الحياد لخدمة الوطن والمواطن كالجيش والأمن والقضاء كطرف ومحاولة استغلالها في معركة سياسية كان من المفروض حيادهافيها؛ مما يهدد كيان الدولة في الصميم، ويحول مواردها ونفوذها إلي أدواة ترغيب وترهيب.
5)- القضاء على كل مصداقية تمتعت بها الإدارة الموريتانية في الماضي كطرف مؤتمن على مصالح المواطنين من خلال إقحام المرافق العمومية في عملية التجاذبات السياسية لصالح مجموعة معينة.
6)- ممارسة الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي للتأثير على إرادة الناخبين،
7)- ابتزاز المرجعيات الاجتماعية والدينية والفئوية. إن هذه الانتخابات "الأزمة" جاءت لتزيد الطين بلة ولتعمق الشرخ الوطني وتفقد الموريتانيين الأمل في إمكانية ترسيخ ديمقراطية وضعوا أسسها السليمة في مرحلة انتقالية حازت إجماعا وطنيا وإعجابا دوليا لم يسبق لهما مثيل في تاريخ البلاد مكنت الشعب الموريتاني من الشروع في بناء مؤسسات حكامة كان بمقدورها لو استمرت ان توصل البلاد إلي بر الأمان.
لقد بدأ النظام عاريا من أي ورقة تغطي عجزه وغباءه في تقديم حلول سياسية واجتماعية واقتصادية يمكن الركون إليها؛ فلا غرابة إذن أن تزيد تخبطاته من حدة الأزمات المتصاعدة على كافة المستويات .
إننا، إذ نضيف صوتنا إلي أصوات أغلبية الموريتانيين الرافضين لهذه المهزلة الانتخابية لندعو الي إلغائها وإلغاء كل الآثار المترتبة عليها،كما نطالب كل الفرقاء بالبحث التشاركي عن حلول جذرية لمعالجة أزمة البلاد من أساسها، وذلك ما لا يتأتى إلا من خلال القضاء التام على آثار الانقلاب العبثي وما نجم عنه من انسداد على كافة الأصعدة، حلول تمكن كل الموريتانيين بصورة تشاركية شفافة ونزيهة وديمقراطية من تدبر حاضرهم واستشراف دورهم في بناء دولة مدنية ذات مصداقية تتسع لإسهامات الجميع في تحقيق التقدم والاستقرار والازدهار والنماء.
الرئيس الأسبق: اعلي ولد محمد فال
نواكشوط بتاريخ: 23/12/2013