قبل سنة أقدمت مجموعة من حملة الشهادات الجامعية على حرق شهاداتهم التي تمثل كل أحلامهم وآمالهم في الحياة،فعلوا ذلك أمام القصر الرئاسي وأمام وسائل الإعلام التي غطت الحدث. لم تكن تلك الرسالة موجهة إلى ساكن القصر الرئاسي فقط، بل إلى كل سكان هذا البلد،من سياسيين ومثقفين وحتى من أميين. لكن أحدا ممن وجهت لهم تلك الرسالة لم يحاول فتحها أحرى قراءة محتواها. لم يحاول ساكن القصر- الذي أنارت جدرانه نار التحصيل وسهر الليالي - البحث عن ما يمكن أن يدفع الإنسان إلى حرق الورقة التي تشهد على سهره وجده ومثابرته ليحصل على مستوى من العلم يخول له خدمة بلده والعيش بكرامة في أحضانه،وتخول له حق الحلم بكل شيء،حتى ولوج القصر المحصن. ولم يحاول السياسيون دراسة الظاهرة لأنها لم تمس سوى ورقة لا تفيد في التصويت لهم،لأن المهم عندهم من الأوراق هي ورقة واحدة،تلك التي توضع في صندوق الانتخابات والتي تضمن لهم كرسيا في الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ أو المجلس البلدي،ولملا الكرسي الأوحد الذي يتحكم الجالس عليه في رقاب العباد وخيرات البلاد. ولم يكن المثقفون أكثر إلماما بما في طيات تلك الرسالة،لأن الثقافة في بلادنا اختلطت بفتات الخبز وبقايا موائد الأغنياء والنافذين،والتملق والنفاق،فأصبح المثقف يقرأ كتب الطبخ والموضة وكاتالوجات العطور ومساحيق التجميل.ليواكب مجالس البذخ والإنحراف التي يحق لأصحابها وحدهم العيش الكريم على هذه الأرض الكريمة المعطاء. ومرت رسالة النار الأولى دون أن تجد من يقرأها.. وكأي مرسل لم يتلق ردا على رسالته،أرسلت الرسالة الثانية، هذه المرة حرقا لحامل الشهادة بعد أن دفعه غياب تكافئ الفرص إلى وظيفة،ألغت مايزيد على نصف عقد من عمره التحصيلي،في أمل أن يجد فيها ما يغنيه عن إرسال رسالته الثانية،لكن الظلم رمى به في ذلك المكان النائي ،ليذكره أن من لا سند له لا يستحق العيش على هذه الأرض. لقد كان أحتراق ولد بزيد رسالة النار الثانية،فهل سيحاول ساكن القصر فك شفرتها وهل سيتهجى السياسون والمثقفون سطورها،ويعملوا على أن تكون رسالة النار الأخيرة؟ أم سينشغلون عنها في ما هم فيه لا هون حتى تأتي الرسالة الثالثة والتي،إن جاءت – لاقدر الله – لن تحرق حاملها وحده،بل ستحرق القصر وساكنه وحارسه وتحرق السياسيين والمثقفين...والأرض ومن عليها؟
أبو معتز عبد الودود الجيلاني