ولد انجيان قتل بعد لحظات من إجراء مكالمة مع ولد الطايع وولد بوخريص وصالح ولد حننا.. مرت قبل أيام الذكرى الثامنة للمحاولة الانقلابية 8 يونيو الفاشلة التي قادها بعض الضباط الشباب ضد نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع سنة 2003 ، وهي المحاولة التي قتل فيها قائدالأركان وقتها العقيد محمد الأمين ولد انجيان في ظروف شديدة الغموض، وبقي لغز اغتياله مشفرا إلى اليوم، رغم مطالبة ذويه وأقربائه أكثر من مرة بإجراء تحقيق يكشف الحقيقة وينصف الضحية وأسرته. لقد سبق وأن كشفنا في تحقيق استقصائي سابق معلو مات هامة عن ملابسات اغتيال العقيد ولد انجيان؛ حيث توصلنا، بعد تحريات دقيقة أجريناها، إلى معلومات حصرية حول السبب الفعلي لفشل المحاولة الانقلابية، بالإضافة إلى معلومات عن أسباب اغتيال العقيد الغامض، وشملت بعض ما دار بينه من حديث هو ومعاونيه والرئيس ولد الطابع و الجنرال ولد بوخريص، مع الانقلابيين ساعات قبل اغتياله. بالإضافة إلى بعض القرائن والتصرفات التي جعلت استخبارات نظام ولد الطايع، اعتمادا على تعاطي الرجل مع ولد الطايع وأعوانه وتعاطيه مع الانقلابيين، تعتقد -حسب مصادرنا- أن قائد الأركان الأسبق هو الشخص المحوري الذي سيؤدي بقاؤه حيا في تلك اللحظة إلى نجاح الانقلاب، إن لم يكن هو القائد الفعلي له. وذلك قبيل أن تتم تصفيته، ويتم إفشال الانقلاب. يومان في حياة رجل بدأت القصة - حسب مصادرنا- حينما قرر المقدم الحسن ولد مكت، وهو ضابط استخبارات عسكرية ونائب قائد المكتب الثاني في قيادة الأركان وأحد قادة المحاولة الانقلابية المكلف بقيادة العمليات من قيادة الأركان، التبليغ عن المحاولة الانقلابية قبل موعدها المحدد بـ 24 ساعة، اعتمادا على معلومات حصل عليها من طرف منسق المحاولة ونائب قائد المكتب الأول الرائد محمد ولد شيخنا. وقد لاحظ رفيق تم تكليفه بمتابعة تحركات ولد مكت أن الأخير أصبح مترددا جدا في المشاركة في الانقلاب لأسباب لم يفصح عنها حينها في ما تبين لاحقا أنها علمه المتأخر بوجود خلية إسلامية مدنية ضمن منسقية الانقلاب. ومع تبليغ الشخص المكلف بمتابعته عن وضعية ولد مكت قررت المجموعة الانطلاق إلى كتيبة الدبابات لبدء العملية قبل الوشاية بهم. وفي الوقت الذي وصل فيه ضابط المخابرات، ولد مكت، إلى باب منزل قائد الأركان لإبلاغه، كان ولد شيخنا ورفاقه قد وصلوا بدورهم بوابة كتيبة المدرعات التي يداوم بها في تلك الليلة النقيب ولد ميني الذي اتصلوا به دون سابق إنذار، فبادر بأمر أفراده بفتح البوابة أمامهم للدخول، وأعطيت الأوامر للجنود لتحريك القطع المدفعية والدبابات نحو وسط العاصمة.. بالتزامن مع ذلك كان ولد مكت قد دخل منزل قائد الأركان الذي كان يتناول العشاء مع بعض ضيوفه، فنفض العقيد يده من الطعام والتحق بالضابط. وبعد حديث قصير خرج الاثنان مسرعين، بينما كان العقيد يرتدي زيا مدنيا ويكرر أمام الملأ وردا على الضابط: "لن تتركوا المسكين ولد شيخنا حتى تورطوه. هذا ليس معقولا". كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا من مساء الاثنين 7يونيو 2003، وبعد قليل عاد سائق ولد انجيان إلى منزله لاصطحاب بدلته العسكرية إلى المكتب. عند الساعة الصفر كانت دبابتان على متنهما الرئدان صالح ولد حننه ومحمد ولد شيخنا قد اقتحمتا القصر الرئاسي، بينما كانت طائرة الضابط ولد سعد بوه تحلق فوق القصر وهي تطلق الرصاص على القصر، وكانت دبابة النقيب يربه في طريقها إلى التلفزيون الوطني، فيما كان رعيل آخر من الدبابات يقتحم كتيبة القيادة والخدمات بقيادة الملازم موسى ولد سالم، وكان المساعد سيدي محمد ولد عابدين قد سيطر بشكل كامل على قيادة الدرك بدبابته وأفراده، فيما ارتبكت الدبابات التي توجهت نحو قيادة الحرس بسبب سوء التنسيق مع النقيب الحرسي ولد النه الذي تم تكليفه بالسيطرة على قيادة الحرس ولم تتجاوب الدبابات معه. بعد ذلك حاول الملازمان سعدنا ولد حمادي و محمد ولد حم فزاز احتلال قيادة أركان الجيش من الناحية الأخرى، وكانت عدة دبابات تتمركز في أماكن متفرقة بشكل فوضوي؛ حيث كانت دبابة تتركز قرب alt"الإذاعة الوطنية. إلى ذلك كان قائد الأركان في مكتبه صحبة المقدم الإمام ولد الطويلب والعقيد ولد اشروف قائد كتيبة القيادة والخدمات ومستشاره العقيد أبنو ولد ابنو الملق "انجاورا" وسائقه وحارسه الخاص وضباط من المخابرات العسكرية (المكتب الثاني). أعطى العقيد أوامره لبعض مقربيه للتصدي للانقلابين ولتوزيع الأسلحة على الأفراد في نفس الليلة وأبرز هؤلاء الرائد ولد حمادي. ولد انجيان للموجودين معه: "قيادة الأركان لا تملك أبسط وسائل الدفاع عن النفس" حوالي الساعة الرابعة فجرا أخرج قائد الأركان عدة قذائف "آربي جي" من مكتبه واستعرضها أمام الأفراد الموجودين معه على سبيل السخرية قائلا: "هذا ما كنا نخشى حدوثه: قيادة الأركان لا تتوفر على أبسط سلاح للدفاع عن النفس، وها هو الدليل: ليس لدينا أي ذخيرة". وهو انتقاد موجه ضمنيا لولد الطايع لجعله الحرس الرئاسي يحتكر امتلاك القوة العسكرية. بعد ذلك أمر قائد الأركان الضابط ولد الصايم من الاستخبارات العسكرية (المكتب الثاني) في رو صو بالتوجه صحبة سائق قائد الأركان إلى الرائد صالح ولد حننه وربطه معه عبر الهاتف للتفاوض. قام الضابط بتنفيذ الأمر وتوجه إلى ولد حننه الذي أمره بالتوجه إلى مركز القيادة في كتيبة المدرعات. وفي طريقه إلى المدرعات انقطع الاتصال به واختفى عن الأنظار. كان قائد الأركان في تلك اللحظات مشغولا في الرد على الاتصالات التي كان من بينها اتصال مع الرئيس ولد الطايع الذي سأله عن آخر التطورات في الميدان، فأجابه ولد انجيان أنه ما زل يحاول إعادة الانقلابيين إلى رشدهم، فقطع ولد الطايع المكالمة في وجهه وهو في فورة غضبه بسبب انشغال ولد انجيان غير المفهوم بالمفاوضات مع الانقلابيين بدل إعطاء الأوامر للكتائب العسكرية خارج انواكشوط بالتدخل. كان ولد الطايع في هذه اللحظات في قيادة الحرس التي وصلها صحبة مرافقه العسكري على متن سيارة من نوع "بي. إم. دوبل. في" وذلك قبيل اقتحام الدبابات للقصر الرئاسي وبعيد علمه بانطلاقها من مقر كتيبة المدرعات عن طريق ابن عمه المقدم سيدي احمد ولد الطايع. كان ولد الطايع مشغولا طوال وجوده في قيادة الحرس بالاتصالات عن طريق هواتفه النقالة (ماتل وموريتل) وكان مفرطا في التدخين وبدا مضطربا، وزاد من اضطرابه إخبار أحد عناصر الحرس إياهم أن دبابة تتوجه إليهم في قيادة الحرس، فسألهم فزعا إن كان لديهم قنابل مضادة للدبابات فأجابه الحرسيون أن ليس بحوزتهم أي نوع من الذخيرة، ولا حتى الذخيرة الحية البسيطة. فأمر ولد الطايع عناصر الحرس بعدم اعتراض الدبابة مهما كلف الأمر. وفي هذه الأثناء طلب منهم طاقم الدبابة تزويدهم بالماء لإعادة شحن مبردة الدبابة ففعلوا، وواصلت الدبابة طريقها متجهة إلى قيادة الأركان. رغم عصبيته تناول ولد الطايع طعاما تم جلبه بواسطة سيارة إسعاف. كان يستشيط غضبا على أعوانه وقد قطع في وجههم الاتصالات أكثر من مرة. وكان الإعلامي ورئيس اتحادية الرماية خطري ولد اجه – حسب شهود عيان- يرتدي البذلة العسكري ويحمل بندقية من نوع كلاشنيكوف ويقوم بدوريات حول قيادة الحرس، قائلا إنه يحمي ولد الطايع. وعلى صعيد آخر كان أهم الضباط الانقلابيين قد اجتمعوا في قيادة المدرعات بقيادة الرائد محمد ولد شيخنا، وكتبوا رسالة إلى قائد الأركان تحمل توقيعاتهم طالبوه فيها بتحمل مسؤولياته بعد أن "هرب" الرئيس وأصبح منصبه فارغا، مما يعني ضمنيا أنهم اختاروه رئيسا للبلاد (أكدوا ذلك لاحقا أثناء محاكمتهم في واد الناقة). وبينما كان المبعوث الذي يحمل الرسالة في طريقه إلى قائد الأركان تلقى خبرا مفاده تصفية ولد انجيان. وتذهب رواية النقيب الحرسي ولد حمادي إلى أن ولد انجيان تمت تصفيته في وقت كان يرد فيه على مكالمة من صالح ولد حننه. فور شيوع خبر تصفية قائد الأركان، دب الذعر والارتباك في صفوف الانقلابيين، وهو ما آذن بفشل المحاولة. ومع ذلك فإنه توجد مجموعة من القرائن ترجح تصفية ولد انجيان من طرف أعوان ولد الطايع الأمنيين بعد أن اتهموه بالتواطؤ مع الانقلابيين، و ذلك لقطع الطريق أمام الانقلابين في وقت كادت تحسم فيه الأمور لصالحهم. وترجح مصادرنا أن تكون أوامر صدرت لأحد الضباط المتواجدين معه في نفس المكتب ليطلق عليه النار قبل أن يتم تفجير المكتب من خلال قنبلة "آر.بي.جي 7" قصد التمويه. ومن ذلك ملاحظة أسرة العقيد تحولا في مسار ولد انجيان قبل حوالي سنة من تاريخ الانقلاب، تمثل في التزام ديني وتعلق بالمساجد ظل يزداد باطراد. وكان قبيل اغتياله كثير التصدق على المساكين، وأعرب لبعض أصدقائه ذات مرة عن رغبته في الالتقاء بالشيخ محمد الحسن ولد الددو؛ وهو أمر مستغرب بالنسبة لقائد أركان في فترة حساسة كتلك. كان بعض أصدقائه في حيرة من هذه التغيرات التي حدثت للرجل، وكان بعضهم يقول بأنه مقدم على أمر كبير ومشغول في التفكير بأمر بالغ الأهمية. كان ذات يوم داخل مكتبه صحبة احد أقربائه، وهو شخص معروف بمحاولات التقرب من ولد الطايع وحزبه الجمهوري بشكل مهين للكرامة ولا يناسب مكانته الاجتماعية دون جدوى. وبعد حديث بينهما حول هذا الموضوع قال له ولد انجيان: "اسمع يافلان! توقف عن إذلال نفسك أمام ولد الطايع وحزبه مقابل تجاهلهم الواضح لك، أنت شخص أكبر من كل هؤلاء عليك التوقف عن هذا الأمر لأن كل هذه الأمور ستنتهي". وقد فهم من ذلك أن قابل الأيام قد يحمل مفاجآت عسكرية. كان من بين من اتصل به يوم الانقلاب الجنرال مولاي ولد بوخريص الذي نصحه بمغادرة قيادة الأركان؛ لأن الوضع في غاية الخطورة. لم يفهم ولد بوخريص، الذي كان يتحرك لصالح ولد الطايع، إصرار الرجل على البقاء في قيادة الأركان في حين أنه لا يملك أبسط آلية عسكرية للدفاع عن النفس، وهو الاستغراب الذي جعل البعض يفكر في أسوء الاحتمالات وهو أن يكون ولد انجيان على تنسيق جيد مع الانقلابيين. الكومبارس والأبطال أهم القادة الأمنيين الذين واجهوا الانقلابيين في اليوم الثاني كانوا: قائد كتيبة الحرس الرئاسي العقيد محمد ولد عبد العزيز، قائد الاستخبارات الخارجية التابعة للرئاسة العقيد عينين ولد اييه، مساعد قائد أركان الجيش الهادي ولد الصديق... هذا قبل تدخل البحرية بقيادة العقيد عبد الرحمن ولد لكور وقوة الصاعقة بقيادة العقيد محمد ولد الفايدة، وكتيبة وصلت من لبراكنه بقيادة العقيد العربي ولد جدين وكتائب أخرى وصلت من أطار وألاك وسيليبابي. بعد مقتل العقيد ولد انجيان كان أول من عاينه العقيد الطبيب محمد محمود ولد الطالب الذي تم إرساله في تكوين إلى الخارج لأربع سنوات بعد ذلك بعدة أيام. وقد تم تنظيف المكتب مباشرة بعد نقل جثمانه، ربما لإخفاء كل ما قد يساعد في التعرف على القاتل في حالة القيام بتحقيق جاد. ورغم ذلك فإنه لم يتم لحد الساعة فتح أي تحقيق رغم مطالبة بشير ولد انجيان، نجل العقيد، بذلك من خلال رسالة نشرها في عدة أسبوعيات وتم تجاهلها. وقد وصل الأمر إلى حد إعطاء قائد الأركان حينها العقيد العربي ولد جدين أوامر بمنع نجل ولد انجيان من دخول مقر قيادة الأركان، وفق ما صرح له به مدير ديوان الرئيس ماء العينين ولد التومي في لقاء ضمهما حول الموضوع وقال له فيه: الأمر بسيط، والدك عسكري، وقد توفي في المعركة، هذه هي الحقيقة، وليست هناك حقيقة ثانية.. تولى العقيد الطبيب افاسا يريم، الذي تقاعد لاحقا وأصبح عمدة مدينة روصو، التحقيق الطبي، ولم يسلم نسخة من تقريره لأسرة الفقيد. وقد خلص التقرير إلى أن الذي أودى بحياة ولد انجيان هو رصاصة وليست قذيفة دبابة.. ويقول محلل عسكري متخصص في الدبابات تحدث إلينا إن الآثار التي خلفتها القذيفة التي قصفت مكتب العقيد هي آثار قذيفة "آر بي جي7" وليست قذيفة دبابة، واستطرد قائلا إن ذلك لا يعني أن موت العقيد لم يحدث برصاصة قبل الانفجار المذكور. لم يقم الرئيس ولد الطايع حدادا على صديقه الحميم العقيد ولد انجيان، واكتفى هو والسيدة حرمه بالتعزية عن طريق الهاتف على غير عادته؛ بل إنه - حسب مصادرنا - قال لقائد الدرك الوطني العقيد انا ولد عبد المالك في لقاء جمعهما بعد الانقلاب قبيل إقالته "تمنيت لو أنك كنت مت مثل ولد انجيان؛ لأنكما الاثنين خائنان". كما صرح له بأن ولد انجيان لم يقم بأبسط واجباته يوم الانقلاب. لم يسع وكيل الجمهورية خلال محاكمة فرسان التغيير في واد الناقة لمعرفة الجاني في قضية مقتل ولد انجيان، ولم يعط المسالة ما تحتاجه من وقت وتحقيق. كما أن حكم المحكمة ركز على الجانب المدني وحكم على وزارة الدفاع بالتعويض. في حين صرح منسق الانقلاب، الرائد محمد ولد شيخنا، لأحد أصدقائه بأنه لو استطاع يوم الانقلاب ربط الاتصال بقائد الأركان لكان أرسل إليه دبابة تصطحبه وتؤمنه. وبالمقابل حسب ماراج يوم الانقلاب قال ولد انجيان، خلال تفاوضه مع الانقلابيين: "إذا أتيتموني بالرائد محمد ولد شيخنا فإني سأقف إلى جانبكم". على أنه من الوارد الإشارة إلى أن كل الضباط الذين استماتوا حينها في الدفاع عن نظام ولد الطايع. ملاحظة : هامة هذا التقرير لموقع الخبر الموريتاني نشره في ذكري الاخيرة للمحاولة الانقلابية الفاشلة