إن الرابطة التي تربطنا بالله كمؤمنين بوجود الله هي رابطة مقدسة ، منشأها الحق ، و قوامها الهداية ، سالكين في ذلك صراط غير المغضوب عليهم و لا الضالين ، فلطالما كانت الرابطة الدينية هي المنظم الأساس للعلاقات الاجتماعية في مجتمعنا الموريتاني ، فمع اختلاف الألوان و الأعراق و الايديولوجيات الفكرية و الانتماءات السياسية كان الدين دائما هو الضامن الوحيد لوحدتنا الوطنية ، فمهما اختلفنا فإننا نتفق ، لأننا مبدئيا متفقون . إلا أن الصراعات حين يكون طابعها ديني محض تكون طاحنة و مدمرة ، و لا تبقي و لا تذر ، لأن التعصب للانتماء الديني هو أعمق أنواع التعصب ، و أكثرها تجذرا في النفس البشرية ، لأن الدين مهما كان يجسد مقدسات الانسان ، التي يمكن لهذا الأخير أن يكتبها بدمه . سأحاول أن أصل إلى ما أريد دون أن أسقط الزجاجة التي من المحتم أنها ستنكسر لو سقطت ، و ليعذرني القارئ فلقد قادني فضولي إلى هذا الموضوع ، و لكن لا غرو فلطالما كان الفضول هو أرقى وسائل التفكير . لقد لاحظت أننا في زمن تكثر فيه الأسئلة ، لكن الأجوبة في المقابل غير موجودة ، أو ضبابية إن وجدت ، هذا فقط لأن السائل يقتله عطش الفضول ، و الذي يجيبه لا يملك سوى قطرة واحدة لا يعرف كيف يمدها . لقد وجدت أمامي الكثير من الأشياء التي قادني فضولي إلى البحث عن حقيقتها ، أشياء من قبيل : لماذا موريتانيا ؟ لماذا نجمة و هلال ؟ لماذا هذا النشيد ؟ لماذا موقع العاصمة حيث هو الآن ؟ لماذا الاسلام هو دين الدولة ؟ لماذا نحن دولة سنية ؟ لماذا جل الاحالات في قوانيننا إلى المذهب المالكي بالتحديد ؟ و ما يهمني أكثر هنا هو التساؤلات الأخيرة ذات الطابع الديني أو العقدي ، و ربما الجواب عليها بديهي جدا ، و لربما التساؤل سطحي في نظر البعض . فالإسلام دين الدولة لأننا مجتمع أنعم الله عليه بالإسلام ، و نحن مجتمع سني لأن السلف كان كذلك ، و لم تعرف هذه البلاد فئات أخرى ، و إن عرفت فإنها ظلت ضئيلة إلا حد ما ، و أما الاحالات إلى المذهب المالكي فمبررها أن المذهب المالكي هي وذهب الأمة الموريتانية . لكن الحياة علمتنا أنها لا تسلك نفس الشوارع دائما ، فالحياة كثيرا ما تضيف أوراقا جديدة إلى قائمة الورق ، و نحن في زمن أصبح فيه الانسان كائنا سائدا ، تعتبر حقوقه و كأنها إكسير الحياة ، و من هذه الحقوق حرية المعتقد ، و نحن كدولة ندخل في اتفاقيات دولية تفرض علينا أن نعطي لكل شخص كامل حرية المعتقد و حرية التعبير أيضا عن هذا المعتقد الذي ليس بالضرورة أن يوافق ما وجدنا عليه آبائنا ، و ما نحن عليه . و إذا ما رجعنا لتساؤلاتنا فإننا سنلاحظ أن لها بعدا آخر يتخطى البداهة و السطحية ، و يسكن أساس ربوع المستقبل ، لكن جميع المؤشرات تدل عليه ، فحين تم تقرير أن الإسلام دين الدولة كان ذلك تماشيا مع واقع المجتمع ، فالمجتمع الموريتاني حينها كان مسلما بكامله ، فنحن مجتمع و الحمد لله لم نعرف بعد تعددية دينة ، لكن المتابع للرأي العام و ما يجري على هذه الصحراء التي يخنقها البحر سيلاحظ أن هناك جماعات جديدة نشازا عنا ، و عنا أجدادنا تحت الثرى . فإلا جانب المنظمات التنصيرية هناك جماعة الملحدين التي ظهرت بشكل قوي مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي بل وصل بهذه الجماعة الأمر أن نشر أحد منتميها مقالا عنوانه ( لكم دينكم ... و لي الحادي .. و الوطن للجميع ) إن هذه الدعوة و إن كانت في المهد ، و إن كانت بصوت خافت فهي بدون شك مجرد مقدمة لها ما بعدها ، فهذه الملحدة تقول بأنه حتى ولو كانت ملحدة فإنها تظل موريتانية و تطلب الحماية ، و هذا يدل بلا شك على أنه تشعر بالغربة و الخوف ، لكن هذا لم يمنعها من أن تطالب بما تسميه حقها المشروع ، فمهما يكن فهي إنسان . هذا بالنسبة للدين كأيقونة عامة ، لكن داخل هذه الأيقونة ما هو أكثر حساسية و تعقيدا ، فمن المعروف أن جميع الطوائف و المذاهب و الفئات تحاول توسيع امتدادها عالميا كفكر ، لأن هذا يكسبها سمعة و يعطيها صيتا ، و قوة ، و هذا ما يتجلى لنا في ما تشهده الساحة الموريتانية من مد شيعي ، و في المقابل نلاحظ أن أموال الخليج تتدفق علينا بطريقة مخيفة ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن كلتا الدولتين تحاول أن تثبت وجودها في هذه الرقعة الجغرافية ، فلربما بعد زمن قصير تتعدد مذاهب هذا المنكب البرزخي من العالم ، و يكون فيها سنة و شيعة و لادينيين و علمانيين ... إلخ . و حين تصطدم هذه الإيديولوجيات ببعضها ، و يعبر كل منها عن فكره و رأيه سيثور التساؤل من جديد لماذا الإسلام هو دين الدولة ؟ و لماذا الاحالات إلى المذهب المالكي ؟ و لماذا الدولة الموريتانية دولة سنية ؟ سيثور هذا التساؤل من جديد حين يحرجنا الدهر ، فالأسباب التي كانت قديما تجعل الجواب عليه بديهي انتفت فالأمة الموريتانية أصبحت تعرف أكثر من ديانة ، أكثر من طريقة ، و مذهب ، و فئة ، و في هذه الحالة لن يكون هناك بد من تغيير الدستور الموريتاني ليضمن أن الدولة علمانية ، هذا فقط لكي تستوعب هذه التشكيلة المجتمعية المختلفة . و أود في الأخير أن أشير إلى أننا ديننا الواحد ، مذهبنا الواحد ، سنيتنا هي الضامن الوحيد للوحدتنا الوطنية ، لذا فإن أصبح هناك اختلاف في الدين في المذهب .. إلخ لن يكون هناك مجال للاتفاق مستقبلا إلا في إطار الدولة العلمانية التي يفصل فيها الدين عن الدولة .