بادئ ذي بدئ أود أن أنبه إلى أنني لا أحب الردود على المقالات و البيانات , و أعتقد أن من حق كل شخص دعم من يراه مناسبا , كما أن من المباح له نقد من يراه مُستحقا للنقد , و أعلم أن من يتقدّم للمناصب و الشأن العام فقد عرّض نفسه للنقد بالحق و الباطل , و حري به أن يقبل كل ذلك, لكني فوجئت يوم أمس ببيان منسوب لرابطة العلماء بلعصابة, و تساءلت : لما ذا مريم دافيد؟ و لما ذا لم نسمع ببيان للرابطة عن التنصير و المنكرات الأخلاقية و السياسية و الأمور الأخرى التي تعاني منها لعصابة و مدينة كيفة بالذات؟ فوجدت نفسي مُرغما على كتابة هذا المقال.
لقد حاول البيان المذكور النقص من السيدة مريم دافيد بناء على معايير جاهلية ( النسب و الحسب) متجاهلا معيار الكفاءة و حـُسن الاختيار من الناخبين و الذي ينبغي أن يـُترَك المجال فيه مفتوحا للمرشحين حتى يُثبتوه و للناخبين حتى يَـقبلوه, لأن السباق ليس سباق أنساب بل سباق إثبات للكفاءة و المهنية على حد قول الشاعر : إن الفتى من يقول ها أنذا ** ليس الفتى من يقول كان أبي!
إن الطعن في ترشيح مريم يذكرني بالطعن في "إمارة أسامة " بن زيد رضي الله عنهما , و يذكرّني كذلك ب"كلام" سيدنا أبي ذر في سيدنا "بلال" رضي الله عنهما , و هو ما يتطلّب مني التذكير بموقف الإسلام من ذلك , و كما تعلم رابطتنا و علماؤنا فإن الإسلام يؤكد أن "الناس لآدم و آدم من تراب" , و يعلمنا أنه " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" و الله تعالى يُذكّرنا بذلك في سورة الحجرات : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم".
2 و إذا ما رجعنا إلى الأسباب الأخرى المتعلقة برفض ترشيح مريم -باعتبارها امرأة- و الاستدلال بحديث البخاري المعروف :" لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" فإننا نجد أن جمهور العلماء على منع تولّي المرأة للإمامة العامة ( الرئاسة / الإمارة العامة للبلد) باستثناء شيخ المفسرين الطبري الذي يرى جواز تولّي المرأة للإمامة العامة , كما أباح الحنفية تولي المرأة للقضاء, و ما دون ذلك من المناصب فيه مقال و تفصيل, و قد ولّى أمير المومين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الشفاء بنت عبد الله العدوية" رضي الله عنها مهام "الحسبة" في سوق المدينة. و ليست مريم مترشحة لرئاسة الدولة , و لا أول امرأة تترشح لمناصب عامة أو تتولاها في البلد ؟ كما أنها ليست اول مرة تترشح فيها مريم للمناصب العامة , فقد ترشحت في الانتخابات النيابية السابقة , و لم يعترض عليها أحد , فلما ذا مريم وحدها ؟ و لما ذا الآن فقط؟!!!
لقد جرى العمل -اليوم- بتعيين النساء و انتخابهن في مناصب عمومية كالولاة و الحكام و العمد و النواب و عمت البلوى بذلك, كما تم تحديد "لائحة وطنية للنساء" و اشتراط أن تكون المرأة ضمن المرشحين الأوائل في كل لائحة بلدية و برلمانية. و لم تعترض على ذلك الرابطة الجهوية و لا المكتب الوطني للعلماء, كما أن هناك امرأتان من مدينة كيفة تم انتخابهما -حديثا- في الجمعية الوطنية عن الحزب الحاكم, و لم نسمع نقدا لترشيحهما و لا رفضا لنجاحهما , و قد قامت إحداهن بجولة دعم لمرشحي الحزب الحاكم في الشوط الثاني على مستوى بلديات كيفة, و لم تتكلم الرابطة عن ذلك!! فلما ذا مريم وحدها ؟!! كما لم نسمع برفض "الرابطة" لترشيح الحزب الحاكم لنساء في مختلف أرجاء الوطن وبعضهن تم تأكيد ترشيحهن في مناصبهن, و نعتبر أن هذا السكوت غير مقبول و غير مفهوم!! فإذا كان ترشيح النساء "حراما" فيجب على الرابطة و على العلماء الكرام توضيح ذلك لأنه "لا ينبغي تأخير البيان عن وقت الحاجة" , و إذا كان حلالا -أو غير مُجمع على حُرمَته فينبغي أن لا يتم استهداف مريم بذلك وحدها لأنه "لا إنكار في ما اختــُلِفَ فيه"!!
3
إن مدينة كيفة مدينة متعددة الأعراق و الأنساب و الأجناس, و قد كان أول عمدة لها المرحوم ميشيل فرجز ( بين 1986 و 1990) و قد عُرفت المدينة بتسامح أهلها و قَبولهم لبعضهم البعض و اعتزازهم بانتمائهم للمدينة, و لا ينبغي بث الفرقة بين أبناء المدينة و مكوّناتها و تقويض السلم و الاستقرار فيها بناء على اعتبارات قبلية و عرقيّة يرفضها الإسلام و تتنافى مع الحرية في الترشح و الانتخاب و الديمقراطية "المزعومَة".
ينبغي لنا و لرابطة العلماء أن نطالب شعب كيفة باختيار الأصلح و الأكثر كفاءة من الأمناء المعروفين بعدم الخيانة و الغلول, و يجب علينا تنبيههم إلى أن أصواتهم أمانة و أنهم محاسَـبون عليها , و يجب عليهم اختيار من سيحقق لهم التنمية و الخدمات المستديمة.
كما يجوز لنا أن ندعم من نشاء و نبين أسباب اختيارنا له ( أو لها ) , و هو ما يتطلب مني تبيين الأسباب التي أدعم بها ترشح الأخت مريم دافيد -دون ان يكون لدي ما أعيب به منافسها الأخ الكريم : أمين ولد ابّ-.
4 و كما هو معلوم فقد دأب أهل كيفة على انتخاب أشخاص تربطهم بهم ولاءات قبلية أو مصالح شخصية ، و لم ينتخبوا أحدا من أجل برنامجه الانتخابي و لا "سيرته الشخصية. و أرى أن انتخاب السيدة مريم دافيد عمدة لبلدية كيفة يحقق مجموعة من الأمور منها :
1-انتخاب أول امرأة -ذات كفاءة- عمدة للمدينة , و في هذا حافز لدعاة انتخاب المرأة على اختيار هذه المرشحة.
2- انتخاب عمدة -من غير الحزب الحاكم و لا مدعوم من السلطة- و في ذلك حافز للمعارضة - حتى و لو كانت مقاطعة- أن تنتخب شخصا من غير الحزب الحاكم .
3- انتخاب عمدة لم يُعرَف عنه اختلاس المال العام و لا التلاعب بأموال المؤسسات الخيرية - و رغم أني لا أتهم منافسها بذلك -إلا أني أعرف الأخت مريم أكثر مما أعرفه- كما يعرفها أهل كيفة أكثر مما يعرفون غيرها من المرشحين .
4- انتخاب عمدة من المقيمين في المدينة لسنوات عديدة ، ممن يعرف أحوالها و معاناة سكانها و يعايش واقع المدينة يوميا -في ذهابه للعمل و رجوعه منه- و ذلك لكونها مقيمة في كيفة و تعمل في إحدى شركات الاتصال بوسط المدينة.
إنني -و أنا أكتب هذه الحروف دعما لمريم دافيد- لعلى يقين من أنها ستكون خير عمدة للمدينة ينتخبه الشعب - فقد عرفتُها لفترة طويلة -كما عرفتُ بقية أفراد عائلتها عن قُرب- و أعرف منها الصدق و الأمانة و العفاف - أحسبها و الله حسيبها و لا أزكي على الله أحدا-.
و كما يقول أهل السياسة في بيانات انتسابهم لأحزاب أو لوائح جديدة ف" إنني أدعو كل من يعرفني إلى التصويت لمريم دافيد ". و أدعو كل الناخبين إلى التفكير ملِــيّـًا قبل التصويت لغيرها، و عليهم أن يعلموا بأن أصواتهم أمانة ، و أنهم سيختارون العمدة الذي سيكون مسؤولا عن شؤون مدينتهم خلال السنوات القادمة ، و عليهم أن لا يضيعوا فرصة اختيار عمدةٍ تتوفر فيه معظم المعايير المطلوبة لخدمة مواطني كيفة و العمل على ازدهار المدينة.
5 إن التصويت لمريم دافيد يعني طي صفحة "العمد الموالين" للحكومة و فتح صفحة جديدة ل"عمد المعارضة" و الذين ينبغي أن تُتاحَ لهم الفرصة لخدمة شعبهم و تبيين الفوارق بينهم و بين من سبقهم من العمد, ممن اعتمدوا على الجاه و الحسب و السلطة الحاكمة للوصول إلى المنصب و استخدامه فيما يريدون دون الخوف من محاسبة سكان كيفة و لا السعي في تحقيق رضاهم.
و لا بد -قبل أن أختم هذا المقال- من أن اذكر بأبيات قيلت سنة 1994 و أراها حرية بهذه الانتخابات :
شعب الكرامة لا ترضَ الهوان و لا ** تخضع لظلم و لكن كــُفّ و اتئدِ
و سر إلى النصر لا ترضَ البديل به** و خذ بحقّك لا تنقُص و لا تَزِدِ
فهل من العدل أن ترضى "دَمَقرَطة"** تُدار بالظلم و التزوير و الحسدِ؟
و هل من العدل أن ترضى "دمقرطة"** تقول لا لخيار الشعب في العُمدِ؟
كلا!! و إن رضانا لا مناص به** لمن يريد دخول المجلس البلدِي؟
و عند يوم الترامي سوف نُشعلها** حربا على الغشّ في بسالة الأسدِ
حتىّ يكون خيار الشعب محتَرَماً** و يذهب الغير في الأدراج كالزبَدِ!
فلندعم مريم دافيد و لنختر من يكون عمدة لنا , و لنحاسب كل من لا يسير وفقا لمصلحتنا و حاجة مدينتنا و ساكنتها, و لنتساءل لما ذا مريم دافيد وحدها من يتم استهدافه و الاعتراض على ترشيحه؟ و لما ذا ستكون مريم دافيد أفضل عمدة لبلدية كيفة كما توحي بذك كل المؤشرات ؟ أعتقد أن الإجابات-الآن -أصبحت واضحة و معلومة . .