لكن ... ماذا بعد الانتخابات؟ ألا يحق لنا بعد مهزلة السبت الماضي التي ثبت فشلها وأدخلت البلاد فى نفق مظلم والمسماة زورا وبهتانا انتخابات أن نتساءل : ماذا بعد هذه الانتخابات ؟ هل كانت مجدية ؟ هل كانت شفافة ؟ ماهي النتائج التي تمخضت عنها ؟ ما هو الدور الذي تطلعت به اللجنة المستقلة للانتخابات ـ سيئة السمعة ـ ؟ وهل من دور للمرصد الوطني لمراقبة الانتخابات ؟ وما هي مصداقية رقابة منظمات ليست نموذجا للديمقراطية ؟ وهل كانت الأحزاب المشاركة فيها راضية بالنتائج التي أسفرت عنها ؟
هذه أسئلة ضمن أخرى سأحاول الإجابة عليها ضمن هذه التدوينة :
أكاد أجزم أن"الملهاة الانتخابية " ـ التي جرت يوم 23 من نوفمبر والتي أصر النظام الحالي على إجرائها من طرف واحد وبمشاركة " معارضة المعارضة " لصرف الأنظار عما يحدث في البلد من تردي على كافة الأصعدة ـ باطلة ولا تحمل أي مصداقية على الإطلاق، مهما كانت نسبة الإقبال عليها مادامت جرت دون مشاركة منسقية المعارضة الديمقراطية وفي غياب رقابة دولية ذات مصداقية رغم وجود لجنة الحكماء السبع و"ثامنهم " التي بدت عاجزة ومعطلة حتى عن فرز النتائج ، ومرصد وطني ولد ميتا ولا يحظى بالإجماع ومراقبي الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية اللتان تمنحان مالا تمتلكان .
لقد كشفت مهزلة الإنتخابات البرلمانية والبلدية التي قاطعتها الغالبية العظمى من الشعب الموريتاني صحة موقف منسقية المعارضة الذي أعلنته منذ شهر أكتوبر الماضي وطالبت فيه بمقاطعة المهزلة هاته التي لم تعد سوى مسرحية الهدف من ورائها الإطاحة بالتعددية الشكلية والتمهيد لتكريس حكم ديكتاتوري صريح بدون أقنعة لعصابة من رجال الأعمال والفاسدين المفسدين .
صحيح أن الانتخابات حق يكفله أي دستور في العالم، وهي ظاهرة حضارية لقيادة البلدان من قبل أناس أكفاء ونزيهين ولهم مواقف وطنية مشهودة وحضور فاعل في المجتمع، يبذلون أقصى الجهود لخدمة المجتمع على أكمل وجه ، إلا أنه في بلدنا حيث تمثل الانتخابات فرصة للإثراء الفاحش والوجاهة والمنفعة الفئوية والحزبية والمناصب وسرقة المال العام بطرق قانونية ، والحصول على المناصب للأبناء والأقرباء وعوائلهم ، الأمر الذي تجسده هذه الانتخابات الأخيرة باعتبارها مجرد مهزلة معلومة النتائج مسبقا ، فكل الدلائل كانت تشير إلى أنها انتخابات مزيَّفة أكثر من أي وقت مضى ، تهدف إلى إضفاء شرعية زائفة على نظام الحكم ، لكونها تفتقد لأدنى الشروط التي تجعل منها انتخابات حرة وشفافة تعكس إرادة الشعب وتكرّس سيادته. وإذا كانت الأحزاب المشاركة فيها ترى أنها خرجت منها فائزة على الورق إلا أنها في حقيقة الأمر كانت خاسرة على طول الخط من الناحية السياسية إذ أنها عمقت أزمة سياسية كانت قائمة كان من الاولى تجنبها وحتى وإن كانت المقاطعة سلبية إلا أنها تمثل عنصرا إيجابيا من زاوية كونها تعكس عدم الثقة بالنظام ورفض التواطؤ معه في مهازله الانتخابية .
إن من يطلع على البيانات والتصريحات التي عقبت هذه المهزلة يلاحظ إجماع مختلف الأحزاب المشاركة فيها على إدانة ما حصل ألا يعني ذلك " الطبيب بعد الموت" . إنكم بذلك يا ساده يا كرام تجنون سينات اختياركم بالمشاركة في تلك المؤامرة ، التي ارتضيتم بها أن تكونوا في خندق الأعداء و المتمالئين ، وتخليتم عن رفقائكم بحثا عن مصالح ذاتية ، وخذلتم النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية .
لقد قبلتم أن تكونوا مخبأ يندس وراءه النظام البوليسي وقدمتم له ما يحتاج من مبررات تمكنه من أقناع الشعب الموريتاني بالديمقراطية المزيفة . و اخترتم الدخول في لعبة مصممة لتدمير الديمقراطية بهذا البلد وتكريس الأنظمة العسكرية المتلبسة بثوب الديمقراطية . وأخيرا تنتهي مهزلة الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية بضجيجها وتوقعاتها في جو مشحون بالنعرات القبلية ، .. شارك من شارك، وقاطع من قاطع ، لكن لا أحد يتوقع منها أي هدف يخدم المواطن البسيط من أبناء هذا البلد ومن أبناء هذه الولاية على وجه الخصوص و ثبت أن النظام لن يستطيع إحداث التغيير بدون التعاون البناء مع كافة القوى السياسية في البلد .