دعونا نتخيل ما الذي كان سيحدث لو أن المشاركين في الحوار قد وُفقوا في حوارهم، خاصة في الجزئية المتعلقة منه باللجنة المستقلة للانتخابات. ودعونا نتخيل بأن رجاحة عقول المشاركين في الحوار، ومعرفتهم بتفاصيل الواقع الموريتاني قد قادتهم لأن يختاروا سبعة من الأطفال الطائشين، لرئاسة اللجنة المستقلة للانتخابات، بدلا من سبعة من الشيوخ "الحكماء".
فلو أن مثل ذلك حدث لحققت الديمقراطية في موريتانيا قفزات كبيرة.
إن هناك أخطاءً كثيرة ارتكبها "الحكماء السبعة"، وأضرت بديمقراطيتنا الناشئة، كان يمكن للمشاركين في الحوار أن يتفادوها، لو أنهم سلموا أمر تلك اللجنة لسبعة من الأطفال الطائشين المشاغبين، بدلا من الحكماء السبعة، ومن بين تلك الأخطاء يمكنني أن أذكر:
1 ـ الخلبطة في الشعارات: فلو أن اللجنة المستقلة للانتخابات كان يرأسها سبعة من الأطفال الطائشين، لما حدثت خلبطة في شعارات المتنافسين، كهذه التي حدثت، بسبب "حكمة" الحكماء السبعة.
فأي طفل طائش يعلم مدى خطورة أن تمنح نفس الشعار لمتنافسين اثنين، ويعلم بأن مثل ذلك التصرف الطائش قد يؤدي إلى خلاف لا يمكن السيطرة عليه.
ولو أن اللجنة المستقلة كان يترأسها سبعة من الأطفال الطائشين، لما سمعتم إطلاقا عن حزب يرفع شعارا يحمل صورة براد، وذلك في الوقت الذي يوجد فيه حزب منافس يحمل نفس الصورة كشعار، ولا سمعتم عن حزب يرفع شعارا يحمل صورة جمل، وذلك في الوقت الذي يوجد فيه شعار لحزب آخر يحمل صورة ناقة. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأسد واللبؤة، وكذلك عن الخيمة البيضاء والخيمة السوداء.
إن أي طفل طائش، ومهما بلغ طيشه، سيظل أعقل وأرشد من أن يقدم للناخب صورا تشغله عن عملية التصويت، أو تجبره من قبل أن يصوت من أي يضيع وقتا لمعرفة جنس الحيوان الموجود في الصورة هل هو ناقة أم جمل؟ وهل هو أسد أم لبؤة ؟ أو يضيع وقتا آخر لمعرفة اللون، فهل الخيمة بيضاء أم سوداء؟ وما لون هذا البراد أو ذاك؟
2 ـ إن طيش الأطفال كان سيمنعهم أيضا من أن يرسلوا بطاقة التصويت للطباعة من قبل أن يستدعوا الأحزاب المتنافسة ليعرضوا عليها الشكل النهائي للبطاقة، والموافقة عل ذلك الشكل، تجنبا لأي احتجاج في المستقبل، وذلك لأنهم يعلمون بأنهم عندما يرسلون البطاقة إلى الجهة التي ستطبعها، سيكون من الصعب بعد ذلك إجراء أي تعديل عليها. هذا لم يفعله الحكماء السبعة رغم أهميته، ورغم بساطته، وهو ما كان يمكن لأي طفل طائش أن يفعله، لو تم اختياره لرئاسة اللجنة المستقلة للانتخابات.
3 ـ إن أي طفل طائش يعلم أن وجود اسم وشعار حزب منافس في أعلى البطاقة أو في أسفلها، ليس مثل وجوده في وسطها، خاصة إذا ما كانت تلك البطاقة تضم عشرات الأحزاب المتنافسة. ولأن أي طفل طائش يعلم أن مثل ذلك الترتيب قد يحدث خلافا بين المتنافسين، وقد يؤثر على حظوظهم، فإنه كان سيعتمد على معيار محدد سلفا لترتيب أسماء المتنافسين وشعاراتهم على البطاقة، كأقدمية الأحزاب مثلا، أو كعدد اللوائح التي رشحها كل حزب، أو أي معيار آخر، بدلا من ترك ترتيبها لمزاج الحكماء السبعة، ولفوضيتهم ولعبثيتهم التي عرفوا بها.
هذا أيضا من الأمور البسيطة والمهمة جدا، والتي لم يهتم بها "الحكماء السبعة". كما أن طيش الأطفال كان سيجعلهم يساوون بين المساحات الممنوحة للشعارات المختلفة على البطاقة، وهو الشيء الذي أخفق فيه "الحكماء السبعة".
4 ـ إن طيش الأطفال كان سيجعلهم يصرخون في وجه الرئيس كلما حاول أن يستوليَّ على أشياء تخصهم، كتحديد موعد للانتخابات. ولو أن اللجنة المستقلة للانتخابات كان يترأسها سبعة من الأطفال الطائشين لسمعتم عن بيانات حادة تصدرها تلك اللجنة ردا على أي تصريح يطلقه رئيس الدولة عن إمكانية أو عن عدم إمكانية تأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد لها سابقا من طرف اللجنة.
5 ـ ولو كانت اللجنة المستقلة للانتخابات يقودها سبعة من الأطفال الطائشين، لما سمعتم ممثلها في إحدى الولايات الهامة يعترف علنا بأنه لا أحد يهتم بنداءات اللجنة ودعواتها المتكررة لعدم استخدام وسائل الدولة ورموزها في الحملة الانتخابية. إن مثل هذا الاعتراف الصريح بعجز اللجنة المستقلة عن منع استخدام وسائل الدولة ورموزها، سيؤدي إلى مزيد من استخدام تلك الوسائل من طرف المتنافسين. ولو كانت اللجنة يترأسها أطفال طائشون لمنعهم طيشهم من الاعتراف صراحة بالعجز عن منع المتنافسين من استخدام رموز الدولة ومواردها في الحملة الانتخابية، وهو ما كان سيترك أثرا إيجابيا على سير الحملة، وعلى إجبار القائمين عليها على الابتعاد عن استخدام رموز الدولة.
إن التأمل في حال اللجنة المستقلة للانتخابات، وفي تصرفات حكمائها السبعة، ليؤكد بأنه علينا إذا ما كنا نبحث فعلا عن الحكمة في هذا البلد، أن نبحث عنها بعيدا عن أقوال وتصرفات أولئك الحكماء السبعة، وربما يكون البحث عنها في تصرفات الأطفال الطائشين أقرب إلى الحكمة، من البحث عنها في تصرفات "الحكماء السبعة".
حفظ الله موريتانيا..