في اللحظات التي اسطر فيها هذا المقال، أستحضر وعود رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز بالتغيير البناء و بتجديد الطبقة السياسية و اتاحة الفرصة للشباب للولوج الى مراكز صنع القرار للمشاركة في بناء جاد لوطننا العزيز المحتاج الى سواعد جميع ابنائه.
استحضاري لتلك الوعود جاء بعد اعلان حزب الاتحاد من اجل الجمهورية (الحزب الحاكم) في موريتانيا عن قائمة مرشحيه للنيابيات حيث حملت تلك الاختيارات معها موجات إن لم أقل (طوفانا) من الملل والتذمر و التشنج للمتلقى الذي كان ينتظر الانصاف خصوصا و أن اللمسات الأخيرة لهذه الاختيارات كانت من اختصاص رئيس الجمهورية، خلافا لاختيار العمد الذي ترك لبعثات الحزب و هيئاته القيادية و حملت هي الأخرى معها ضجة غيرت موازين الساحة السياسية في البلاد و كنا نأمل أن يأخذ رئيس الجمهورية كل ذلك بعين الاعتبار لكن للأسف يبدو أن احلامنا تكسرت على صخر اليأس من تغيير طمحنا اليه لزمن طويل.
فخامة الرئيس نتساءل اليوم على ايقاع ما حدث عن أمور محورية في مشاغل الساحة السياسية في ربوع البلاد، وعدتمونا في خطابكم المشهور من مدينة انواذيبو 2012 بتجديد الطبقة السياسية، و دعوتم الشباب بكل صراحة الى المشاركة في تسيير البلاد من خلال تقلد الوظائف السياسية، و ها انتم اليوم تتتمسكون بتلك الطبقة السياسية (الهرمة) التي حكمت البلاد منذ فجز الاستقلال الى اليوم ... فهل بقي للشباب الراغب في التغيير و في دعمكم موطئ قدم داخل حيز اختياراتكم؟ و هل ما حدث كان ردا للجميل لثلة معينة آزرتكم في الأيام الصعاب عشية الحركة التصحيحية 2008؟ أم انه مجرد اختيار حر له تبريرات منطقية أخرى؟ و هل تمعنتم بدقة يا فخامة الرئيس في خفايا الساحة السياسية في البلد؟
اسئلة فعلا تتحرى ان تجيب عليها الأيام القادمة إن قدر للانتخابات ان تسلك مجراها الطبيعي، و ستضفي نتائجها على المشهد السياسي للجمهورية طابعا جديدا و مرحليا لن أتنبأ به قبل أن يحدث لأن ذلك يعتريه العديد من العوامل.
أنا كمواطن من مقاطعة أوجفت سأتحدث فقط عن اخفاقات الحزب في المقاطعة (كنموذج) وعن اختياره (الغير موفق) لعمد البلديات الأربعة و نائب المقاطعة.
كنت في مقال نشرته قبل ايام بعنوان (الاتحاد من اجل الجمهورية في اوجفت أمام فخ المغالطة) قد تحدثت عن خسارة الحزب في المقاطعة من خلال اهماله لقطب كبير من قطبيها هو (مجموعة التضامن من أجل التنمية والتغيير في أوجفت) وكنا جميعا نأمل في ان يدرس الحزب ردة فعل اهالي اوجفت و أن لا يصدمهم مرة أخرى حفاظا على تماسك الحزب و ثقته المحلية من جهة و تطبيقا لمبادئ التناوب السلس للقيادة من جهة أخرى، لكن للأسف يبدو أن لحزب صمم على غلطة اخرى أكبر من سابقتها و اعاد الثقة في النائب الحالي محمد المختار ولد الزامل صاحب الرقم القياسي وطنيا في تقلد منصب نائب برلماني.
منطقيا لا مبرر لإعادة الثقة في شخص تقلد منصب نائب عدة مرات و خلق مللا في نفوس السكان حتى ولو افترضنا جدلا أن هذا النائب انجز المستحيل فعليه أن يترك المجال لآخرين لأن سنة الحياة تقتضي التناوب و التجديد، أما إذا كان لم ينجز ما يذكر فعليه أن يترك المكان لغيره بمرونة لعل ذلك يشفع له في امتصاص غضب الناس كما أن هذا النائب عليه ان لا يهمل جانب التاريخ الذي سيحكي بعدنا جميعا سيرنا و نحن غائبون فلا محامي عنا وقتها الا مواقفنا الشريفة و انجازاتنا في الحياة.
نعم حزب الاتحاد من اجل الجمهورية اختار المهندس و النائب الحالي و الوزير السابق و اعاد فيه الثقة لمأمورية جديدة، شخصيا اعرب عن غضبي و استغرابي من تصرف الحزب لأسباب احسبها موضوعية تجعل هذا السيد مستبعدا من قبة البرلمان كما كنا نريد و هذه الأسباب هي:
1. اولا أن عامل السن لا يسمح للرجل بتقلد منصب نائب في زمن التحولات الكونية التي تستدعي من النائب قدرا من النشاط و الحيوية لا يمتلكه نائبا دخل عقده الثامن ولله الحمد فهو من مواليد 1941 مع تمنياتنا له بطول العمر ووافر الصحة و السعادة؛
2. كان هذا السيد أول نائب لأوجفت عن حزب الشعب 1972 كما كان أول نائب لها بعد سن الدستور 1991 عن الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي و هو نائب الآن في مأمورية تجاوزت وقتها بسنتين حيث انتخب 2006 عن الحزب الجمهوري للديمقراطية و التجديد، و بالتالي آن الأوان أن يتم تغييره من باب الانصاف؛
3. ان هاذ السيد تقلد الكثير من المناصب القيادية في الدولة من ادارات عامة و وزارات و سفارات .... الخ، و مع أننا لا نحسده على ذلك و نرجو له المزيد الا ان منطق تقاسم المشاركة في الاستفادة من خيرات الوطن و تحمل بنائه تملي على الحزب أن يشرك آخرين (جدد) لضخ دماء جديدة في شرايين التنمية و بث روح التساوي بين الناس و ابعاد الغبن و الاستبداد بالرأي لأنها خصائص تقليدية جدا؛
4. من باب انجازات السيد النائب من المعروف أن دور النائب له طابع وطني لأنه يهتم بتشريع القوانين و رقابة عمل الحكومة و لكنه موازاة مع ذلك له دور محلي يتلخص في حمل مشاغل دائرته الانتخابية الى منبر البرلمان و طرح مشاكلها داخل جلسات البرلمان حيث الأنظار مشدودة بالدوام صوب هذه الهيئة الموقرة.
و هنا اتساءل نيابة عنكم اين نائبنا الموقر السيد محمد المختار ولد الزامل من هذا؟ و ما ذا حقق لأهل أوجفت عبر قبة البرلمان؟ ... و سأجيب ايضا بالنيابة عنكم و أتحمل المسؤولية كاملة فيما سأقوله هنا، لأن واجبي يملي علي تفصيل هذه القضية.
على المستوى العام السيد النائب من النواب المشهورين بالغياب عن جلسات البرلمان فهو ممن لا يحضرون الا لجلسات قليلة جدا كما ان مداخلاته تعد على رؤوس الأصابع فعادة ما يتدخل فقط لنقاش أشياء تتعلق (بالصيد و الاقتصاد البحري ـ و أخرى تتعلق بالاحصاء ..) ربما يعود الأمر الى تخصصه وتجربته في هذه الميادين لكن اجمالا لم يكن الرجل من النواب المعروفين بالغوص في القضايا الهامة و اللافتة للرأي العام.
اما عن اهتمامه بالقضايا المحلية للمقاطعة فالكل يعرف أن كلمة (أوجفت) لا ترد على لسان هذا النائب المحترم داخل جلسات البرلمان ولم يقف لحظة ليدافع عن قضية تهم اوجفت و لا مشكلة مطروحة لسكانها ... و ابعد من ذلك كانت هناك كارثة حطمت اوجفت أواخر 2010 وهي (حمى الوادي المتصدع) التي راح ضحية لها عدد كبير من ابناء المقاطعة و خصصت جلسة برلمانية لنقاش الموضوع بحضور وزير الصحة و كان نائبنا الموقر صامت و حيران كأن الأمر لا يعنيه، فالذي ذكر القضية و عمق في نقاشها مشكورا انذلك كان البرلماني المناضل بدر الدين حيث ذكر قائمة الضحايا و فصل الكارثة، ومما اثار استغرابي تلك الأيام كون النائب بدر الدين (وبحكم بعده عن واقع المنطقة) وجد صعوبة كبيرة في تسمية الضحايا و مواضيع وفاتهم أمر كان من الأجدر بنائبنا الموقر التعرض له لأكثر من اعتبار.
السيد النائب ولد الزامل لم يقم بأي زيارة ميدانية منذ انتخب نائب الا في حالات نادرة و تكون رفقة وفد رسمي رفيع المستوى، ولم ينجز هاذ النائب طيلة حياته الحافلة بالوظائف السامية أي مشروع يستفيد منه السكان الضعاف القاطنين في شعاب جبالآدرار.
لقد ظل هذا السيد يعمل على تغذية بئر الصراع بين الأهل داخل أودية أوجفت و عمل بما يملك من وسائل على تفكيك كيان الأهالي عملا بقاعدة فرق تسد لاعبا على اوتار تفكيك القوى المحلية و منعها من ادراك واقعها المر و تغييره.
5. من جانب تقييم مؤهلات هذا النائب و حظوظه في كسب رهانات المرحلة: ترتكز الحسابات الانتخابية في اوجفت (على غرار الداخل الموريتاني) على خلفيات قبلية بالأساس و توازنات محلية متغيرة.
و كما بينت في مقال سابق فإن مقاطعة اوجفت في الوقت الراهن تضم قطبين سياسيين اساسيين في ظل الحزب وهما: قطب يقوده النائب الحالي للمقاطعة محمد المختار ولد الزامل و شيخها يحي ولد عبد القهار و جماعات محلية، أما القطب الثاني فيضم ثلاثة عمد حاليين من اصل اربعة في اوجفت و يضم نائب سابق و مجموعة كبيرة من الأطر و الموظفين الساميين و رجال الأعمال اضافة الى طبقة شعبية واسعة و يطلق على هذا القطب (مجموعة التضامن من اجل التنمية والتغيير في اوجفت).
الكثير من المهتمين بشأن اوجفت يعزي نفوذ ولد الزامل و اعادة الثقة فيه من طرف الحزب الى كونه من البرلمانيين الذي تزعموا (اعلاميا) الدفاع عن الحركة التصحيحية التي قادها فخامة رئيس الجمهورية سنة 2008 اضافة الى اعتماده على نفوذ ضباط ساميين من ابناء عمومته وسط الهيئة العسكرية.
و هناك تفسير آخر لنفوذ هذا النائب و هو تفسير (شعبي) و هو استغلال العلاقة الحميمية بينه و شيخ اوجفت السيد محمد يحي ولد عبد القهار و يرى أصحاب هذا الرأي أن ترشيح ولد الزامل و تأثيره في الساحة السياسية في أوجفت يأتي بضغط من الأخت الكبيرة لحرم رئيس الجمهورية وهي زوجة الشيخ يحي ولد عبد القهار.
ميدانيا تواجه ولد الزامل صعوبات جمة في النجاح للكثير من الأسباب أهما تذمر السكان على ادائه و ثانيها دخول قوى المعارضة على الخط الشيء الذي سيكون له تأثير قوى على سقوط هذا النائب.