بعد أيام من الحديث عن قوله المشهور إن «الأزمة التي تعيشها موريتانيا لا يمكن حلها من دون انقلاب عسكري»، ها هو الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، مهندس التطبيع مع إسرائيل يدخل طبخة قطرية جديدة تستهدف زعزعة استقرار موريتانيا. فقد أفادت صحف موريتانية ومغربية ومواقع الكترونية، بأن الرئيس الذي حكم موريتانيا من عام 1984 حتى العام 2005، قرر أخيراً أن يغير مقر إقامته من الدوحة إلى مراكش المغربية القريبة من بلده في شمال أفريقيا. وركّزت الصحف المغربية على الموضوع من خلال عنوان شبه موحد وهو «المغرب ملجأ للديكتاتوريات»، في إشارة إلى ولد الطايع، الذي حكم موريتانيا بيد من حديد طيلة واحد وعشرين عاما وأرغم الموريتانيين على كل شيء بما فيه علاقات مشينة مع الصهاينة، وهو ما لم تحلم به الدولة العبرية منذ تأسيسها قبل ستة عقود. الصحف المغربية والموريتانية ركّزت على أهمية مراكش في كونها المدينة التي يقيم بها عدد من خصوم الحكومة الموريتانية، ومن أبرزهم الملياردير محمد ولد بوعماتو، والذي يتردد عليها من حين الى آخر المعارِض البارز مصطفى ولد الإمام الشافعي. والغريب أن ولد الإمام الشافعي، المعروف عنه أنه رجل الدوحة في إفريقيا، هو مهندس علاقات مشيخة قطر مع أباطرة السلفية والمخدرات. وهو أبرز وسطاء الأوروبيين مع جماعات الإرهاب، ونجح في التوسط لإطلاق سراح أوروبيين مقابل فديات مالية عدة مرات. ويأتي اليوم تقاربه مع ولد الطايع وفق مراقبين إلى الأهداف القطرية، إذ أصبح العدوّان صديقين بإملاءات قطرية بعد أن كان ولد الشافعي محروماً من دخول الأراضي الموريتانية إبان حكم ولد الطايع. ويرى مراقبون في نواكشوط أن تغيير إقامة ولد الطايع من الدوحة إلى المغرب المجاورة، هدفه العمل عن قرب في دولة تعيش في دوامة من المشاكل مع موريتانيا منذ أربعين عاماً وفي الوقت نفسه تقيم علاقات متميزة مع دول الخليج. وفيما تغدق دول الخليج على الرباط العطايا، ترفض منح موريتانيا أي مساعدات. لعل اقامة ولد الطايع في المغرب ليست من قبيل الصدفة. بل تؤكد سيناريوهات كشف عنها العام الماضي ضمن خطة قطرية ــ إسرائيلية هدفها زعزعة استقرار البلاد، التي رفض رئيسها «الربيع العربي» وظل يبحث مع دول إفريقية أخرى لحل سلمي في ليبيا حتى آخر دقيقة. ولا ينسى الإسرائيليون للرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز، الذي بدأ عهده عام 2008، بعلاقته الوطيدة بإيران وعلاقات أركان حكمه بالقيادة القطرية لحزب البعث في دمشق. والأكثر من ذلك قطعه للعلاقات مع اسرائيل وإشرافه الشخصي على تدمير مبنى سفارتها في نواكشوط، وقوله الشهير: «هذا قليل مما يفعله الصهاينة لأشقائنا في فلسطين المحتلة». كما لا ينسى القطريون للرئيس الحالي طرده للأمير حمد بن خليفة العام الماضي، خلال زيارة كان مقرراً لها أن تدوم ثلاثة أيام واقتصرت على ثلاث ساعات وقطعت من دون وداع رسمي، بعد مشادات كلامية وُصِفت بغير المسبوقة بين الزعيمين. وخلصت صحف موريتانية الى أنه إذا صحّت هذه التسريبات وانتقال معاوية ولد الطايع، إلى الإقامة في مدينة مراكش المغربية، فلا شك أن محور مراكش، بقيادة رجل الأعمال الشهير محمد ولد بوعماتو، وواغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو)؛ بزعامة السياسي المعروف المصطفى ولد الإمام الشافعي، المعارضيْن لنظام ولد عبد العزيز، سيشهد نقلة نوعية سيكون لها ما بعدها. وتوقعت الصحف استئناف النشاط التجاري الداخلي بالنسبة لولد بوعماتو، الذي تعاني بعض شركاته من الإفلاس بسبب مشاكله مع النظام القائم في نواكشوط، وعودة رجل السلطة ولد الطايع إلى البلاد، وربما إلى السلطة من جديد. وكانت مصادر صحافية قد كشفت العام الماضي خطة قطرية ــ إسرائيلية لإطاحة الرئيس الموريتاني ضمن ما يسمى بالربيع العربي. وتحدثت المصادر عن أن الأميركيين والفرنسيين حسموا أمرهم مع الأمير القطري، بالتنسيق مع أبرز رموز المعارضة الموريتانية، واتفقوا مع قطر والجهات الداخلية والمعارضة على خطة أعدّوها بإحكام بعد عقد صفقة بين أهم رموز المعارضة الموريتانية، تم من خلالها تقاسم الأدوار والكعكة السياسية في البلد». وكانت الخطة تقضي بتعبئة كل الوسائل المادية والسياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية لفرض الأمر الواقع على نظام ولد عبد عزيز، بمساعدة مالية من دولة قطر، التي ستظل بعيدة عن واجهة التصعيد، وأن تسلم الأموال الى الإسلاميين من خلال قنوات مالية معروفة وآمنة. وتقضي الخطة بأن تتأخر قناة «الجزيرة» القطرية عن تغطية الحدث في نواكشوط، بينما تعمل المعارضة الموريتانية على تعبئة الشارع سلمياً وحشد قواعدها الشعبية في كل مكان تحت شعار واحد هو «إسقاط النظام ورحيله» ومن دون توقف ولمدّة تفوق خمسة عشر شهراً.
وبموجب الخطة تتمتع الولايات المتحدة وفرنسا بمزايا اقتصادية مهمة، وأن تتوطد العلاقات الموريتانية مع الدولتين أكثر، بحيث تكون لهما الأولوية في الكثير من المشاريع المقبلة عليها موريتانيا في مجال الصيد والنفط والأمن في الساحل. وسعت مشيخة قطر وحلفاؤها الدوليون، بحسب المصادر، الى إعادة الاعتبار إلى الرئيس الأسبق وإعادته إلى موريتانيا متمتعاً بجميع حقوقه السياسية مع ضمانات أمنية بعدم الملاحقة.
وبالنسبة إلى الدور الإسرائيلي، أكدت الخطة أن إسرائيل «تسعى في الوقت الذي يواجه فيه النظام الموريتاني هذه المعارضة الشرسة إلى تصفية حساباتها مع الرئيس الموريتاني من خلال منظمات شبابية تدّعي الدفاع عن حقوق الأرقاء والزنوج في موريتانيا، وأصبحت هذه المنظمات تشكل خطراً حقيقياً على ولد عبد العزيز».
المختار ولد محمد - الأخبار اللبنانية