يستيقظ سكان فصالة وغيرها من سكان الحدود على دوي أسلحة المتمردين الطوارق الذين سيطروا على "ليرة" و"لامبارا" ومناطق حدودية شاسعة، وتوغل مقاتلوهم داخل الحدود الموريتانية إلى مشارف فصاله التي استقبلت خلال الأيام الأخيرة عددا من اللاجئين يفوق عدد سكانها ويتجاوز طاقاتها الاستيعابية.
ووقوع فصاله في عين إعصار الحرب يعني أن الحرب وصلت إلى موريتانيا وأن آلاف المنمين الموريتانيين الذين عبروا الحدود ويعبرونها في هذه الأوقات أصبحوا في أعداد ضحايا الحرب وحياتهم في خطر ومواشيهم لقمة سائغة يعتبرها المقاتلون الطوارق غنائم حرب.
إن الأوضاع على الحدود تغيرت تغيرا جذريا خلال الأسبوع الأخير وانسحبت السلطات المالية من معظم المراكز الحدودية وتواجد مقاتلو جبهة تحرير أزواد في هذه المناطق وتوغلوا داخل الأراضي الموريتانية، وتثبت الوقائع عكسا لما يروج له أنهم على تنسيق مع أهم كتائب القاعدة التي باتت تتحرك بحرية أوسع، وبدل أن تكون هذه الكتائب واقعة كما كانت بين كماشة الموريتانيين والماليين أصبحت متحررة من ضغوط الماليين ومدعومة من قوة مسلحة نواياها التوسعية واضحة.
لقد وضعت هذه التطورات التي لم تستشرفها السلطات الموريتانية على ما يبدو، هذه السلطات أمام تحديات خطيرة، فهنالك التحدي الأمني وضرورة حماية السكان والحدود وما يحمله ذلك من خطر التصعيد مع الطوارق، وهنالك تحدي القاعدة الذي دخل مرحلة جديدة ولم يعد التعاطي العسكري التقليدي معه كافيا... وهنالك التنسيق الأمني مع مالي التي تراجعت سلطاتها كاشفة ظهور الموريتانيين وتركتهم وحدهم يواجهون انقلاب الأوضاع الأمنية على جانبي الحدود..
ولا تقف التحديات عند هذا الحد فهنالك تأمين اللاجئين وإيواؤهم وهنالك تحديات التعاطي مع مسلحي أزواد، ففي الماضي كانت موريتانيا تدعمهم وتلعب ورقتهم ضد مالي يوم كانت مطالبهم مقتصرة على الحكم الذاتي وهم اليوم يطالبون بالاستقلال وبدولة أزوادية تقتضم مساحات من حدود موريتانيا، ثم هنالك تحديات تحويل الماليين للصراع الحالي إلى صراع بين الطوارق من جهة وعرب أزواد من جهة أخرى، ولهذا الصراع جذوره الممتدة إلى داخل موريتانيا وهنالك تعبئة الماليين العرقية لكل العناصر الزنجية في مواجهة عرب مالي وطوارقه التي لا يسلم منها عادة الموريتانيون المتواجدون بشمال مالي، وهنالك الجفاف وآثاره السلبية التي تدفع بآلاف الموريتانيين نحو الحدود، وهنالك المطامع الاقليمية التي ستستغل دعم أطراف الصراع لإيجاد موطئ قدم على حدودنا.
والسؤال الكبير هو كيف ستواجه موريتانيا كل هذه التحديات المتصاعدة؟ وما هي مقارباتها لإدارة الصراع؟ وما هي استراتيجياتها الوقائية والعلاجية لإدارة الأزمة؟ وهل يدرك ولاة الأمر في موريتانيا أنما يجري بالنسبة لنا ولغيرنا هو بالفعل صراع بقاء ووجود قد يفضي إلى تحولات كبيرة وإلى تغيير خارطة المنطقة؟
إذا لم يفهم حكامنا الأمر على هذا المنوال فذلك يعني أنهم عاجزون عن قراءة التاريخ وعن تدبر وقائع الحاضر ومن يعجز عن ذلك فهو أعجز عن استشراف المستقبل.
يعقوب ولد سيدي محمد/ الرأي المستنير