هناك بين كثبان الرمل في إحدى الصحاري الواعرة،وفي ليلة ممطرة لدغته أفعى سامة لاينجو من سمها إلا من كان-وكما يقال-بسبعة أرواح،بعد جهد يذكر دبر أهله وسيلة نقل وحملوه إلى أقرب المدن ليتلقى العلاج،وفعلا بعد ثلاثة أيام من الألم المستمر والقلق وصلوا به إلى المستشفى. عند باب المستشفى توقفوا يبحثون عن من يفتح عنهم،فأين البواب؟! آه إنه هناك يمازح إحدى البائعات جانب حائط المبنى! آآآه لو أنه يعرف ماتعانيه هذه الأسرة المسكينة! بعد أنتظار دام خمس دقائق مرت على العائلة القلقة وكأنها ساعات عدة تنبه البواب إلى وجودهم وتقدم نحوهم بخطى بطيئة كأنه يفارق شخصا غاليا على قلبه فراقا أبديا... فتح الباب،دخلوا،وإلى قسم الحالات المستعجلة توجهواّ؛داخل البناء أحتاروا أي الجهات يقصدون فهذه أول مرة يزورون هذا القسم من المستشفى. مر بهم أحد عمال النظافة فسألوه أين يجب أن يتوجهوا؟ لم يأبه لحالهم كثيرا،أشار لهم بيده إلى الجهة المختصة دون أن يتفوه بكلمة،ومع نهاية الممر أستقبلهم أحد الأطباء وأدخل بعضهم غرفة مع المريض ثم ناول أكبرهم سنا ورقة كان قد ملأها لتوه وقال:أحضر هذه الأدوية بسرعة. أخذ الرجل الورقة وذهب مسرعا بأتجاه الصيدلية وهو مدرك أن أخوه قد يفارق الحياة في غيابه فمنذ ثلاثة أيام وهو غائب عن الوعي. عند باب الصيدلية انتظر أكثر من نصف ساعة حتى يحين دوره،كان يتساءل ترى هل معي مايكفي لتسديد هذه الفاتورة؟ماذا لو كان المبلغ كبيرا؟..أووووف يبدو أن الأدوية باهظة الثمن...! حان دوره فأخذ الصيدلاني منه الورقة وطلب مبلغ7000 أوقية،أدخل يده في جيبه وبحث طويلا ثم أخرج 8000 ،فرح جدا حين وجد أن المبلغ بحوزته عدها ثم سدد المبلغ وقبل أن يكمل جمع الأدوية رد له الصيدلاني إحدى أوراقه النقدية قائلا:(خرص كان أحذاك شي ماه هذي،هذي ماه نافعه شي)،رد الرجل يده إلى جيبه وأخرج الورقة الأخيرة المتبقية فيه وناوله إياها... عاد الرجل إلى غرفة أخيه وعند الباب نظر إلى أفراد عائلته فأفتقد أمه فسأل:أين الوالده...؟ أجابوه:ذهبت تسدد فاتورة السرير. اطمأن الرجل على أخيه ثم ذهب ليتدبر أمره؛تدين من أحد التجار بمبلغ يكفي لعلاج أخيه ثم عاد مسرعا إلى المستشفى وعند الباب أوقفه البواب فوقت الزيارة لم يحن بعد،طلب منه الإذن بالدخول وشرح له ظروفه مرارا فكان يرد ساخرا:انتظر ساعتين وستدخل. يئس وجلس جانب الباب منتظرا وقت الزيارة ولكنه تفاجأ حين لاحظ أن البواب يدخل بعض الزائرين ويمنع بعضهم،حينها غضب ورفع صوته مطالبا بالدخول وبعد دقائق دخل بواسطة أحد الأطباء الذي كان قد جاء متأخرا. مضت خمسة أيام على العائلة داخل المستشفى،كانت فيها كالدمية بأيادي الممرضين أصحاب شهادات الإعدادية كما أتعبتهم مطاردة عمال النظافة من مكان لآخر وفي كل ليلة كانوا يسهرون بين الممرات على زغاريت الناموس. صبيحة اليوم السادس كانت العائلة تنتظر قدوم الطبيب الذي كان قد وعدها بإخراجها من المستشفى صباحا بعد شفاء مريضها ولكنه تأخر أكثر من ساعتين عن موعده المحدد ومازالت العائلة تنتظر...