تبجح الجنرال عزيز بارتياح في لقاء النعمة بأن الربيع العربي تجاوز البلاد، ذلك أن زخم الاحتجاجات بدأ يخف، ومنسقية المعارضة التي تبنت شعار الرحيل في 2012 بدأت تعيد حساباتها، ويبدو أن كل شيء آيل إلى الهدوء..
وهنا أود توضيح أننا لم نسع أبدا إلى استنساخ الربيع العربي، وإنما أردنا دائما استثمار المناخ الرطب الذي أتاحه "الربيع العربي" من أجل مزيد من فرض الإرادة الشعبية على الحكام، وقد كان من المهم جدا إسقاط نظام انقلابي لا يستند على شرعية حقيقية بواسطة الجماهير لنصل إلى نقطة متقدمة جدا في معركة الحقوق وفرض سيادة المواطن.
وفي الواقع توافرت ظروف موضوعية داخلية وخارجية على عدم نجاح التجربة ولست الآن في مقام مناقشتها، إلا أنها عززت بالتأكيد نزوع شعبنا للحرية والكرامة، وأرغمت السلطة التوتاليتارية بطبيعتها ـ كما في أي بلد من العالم الثالث ـ على وضع ألف حساب لإرادة الجماهير بالرغم عنها، وما تعبير الجنرال في ذات اللقاء في النعمة عن عجزه عن غلق مجال الحريات إلا مثال على ذلك.. هذا مما كسبناه من احتجاجات شعبنا القوية، وما كسبناه من ضغط منسقية المعارضة لأشهر عديدة حاملة شعار الرحيل.
واليوم يبدو أن منسقية المعارضة بصدد مراجعة لخياراتها وشعاراتها دون أن تكلف نفسها عناء اعتبار الجماهير التي هي منقسمة إلى نوعين:
ـ جماهير شعبوية تناصر أحزاب المنسقية لاعتبارات خاصة تتعلق بصراعاتها المحلية وهذه الجماهير هي من تستعد لبيع نفسها لكل من يساهم في حسم صراعاتها الخاصة.
ـ جماهير سياسية تعي خطورة بقاء النظام الحالي، وتتفاعل مع مسيرات المنسقية واعتصاماتها المطالبة بالرحيل، وتتحمس للتضحية في سبيل ما تراه عادلا ومبدئيا.
وبالإضافة إلى هذين النوعين توجد جماهير ثالثة تراقب وتتفرج، لكنها تستطيع الحكم على أطراف الصراع: السلطة والمعارضة، وحكمها يؤثر حتما في ميزان القوة وحسم الصراع.
هل ستجري المنسقية خلف إرادة النوع الأول من الجماهير مولية ظهرها لتراكم تجربتها النضالية طيلة السنتين الأخيرتين، بتضحياتها ووجاهة المطلب الذي رفعته، وتلغي كل ذلك لحصاد سراب متوقع من انتخابات غير مأمونة، لتحدث بذلك القطيعة مع تلك الفترة النضالية المتميزة من تاريخ البلاد؟
أي جهد سوف تبذله المنسقية لتبرير وشرح مد أسباب النجاة للنظام من الأزمة الخانقة التي يعرفها منذ فترة؟ هل ستقبل منسقية المعارضة إنقاذ حكم ولد عبد العزيز بعدما فشلت المعاهدة وغيرها في ذلك مقابل تعزيز مكاسب أسر أرستقراطية دأبت على الحصول على مناصب تمثيلية وتعزيز مكاسب رجال أعمال ضيق عليهم في الرزق لانتهاجهم سبيل "ارحل"؟
مهما كانت تنازلات النظام ـ ولي عودة إليها في مقال قادم ـ فهل ستتيح وصول المنسقية للسلطة؟
والجماهير التي آمنت بعدالة مطلب الرحيل وسعت فيه، هل من الممكن استعادة حماسها عندما يزور النظام الانتخابات مثلا؟
وحين تشارك المنسقية في الانتخابات القادمة وتحصل على 15 % من التمثيل (رقم متفائل) فهل تستطيع العودة إلى الشارع لتطالب بالرحيل أو حتى الطعن في الانتخابات ؟!!
كيف حال "شرف" المنسقية عندما تخون هي ميثاقها؟
ومن من الجماهير المراقبة سيصدق أن لها شرفا؟!!
كم مرة سيلدغون حتى يخلصوا لرؤاهم ويحترموا الجماهير التي تسير معهم؟
أعتقد أن المنسقية مطالبة بشرح دقيق وتفسير منطقي لهذا الانقلاب في مواقفها للجماهير.. ولنا..
المجد للشعب.