أثارت الزيارة التي يقوم بها حاليا إلى بلادنا وفد من الامم المتحدة برئاسة السيد موتوما روتير المقرر الخاص المكلف بالأشكال الحديثة للعنصرية والتمييز العنصري والكراهية وعدم التسامح، أثارت هذه الزيارة عدة دعوات من هنا وهناك بين اوساط الفئة المتعلمة من ابناء شريحة "لمعلمين" مطالبة بإطلاع المبعوث الأممي على ملف "لمعلمين" وما يتعرضون له من تمييز غير ايجابي في وطنهم منذ اكثر من نصف قرن من الزمن ؛ وهو ما يمكن أن يندرج تحت طائلة الاشكال الحديثة للعنصرية والتمييز العنصري والكراهية وعدم التسامح ... وسط حالة من التشاؤم التام من عدم إمكانية تغيير الواقع المؤلم للشريحة ، دون الاستعانة بقوة خارجية ضاغطة قد تشكل رافعة مهمة للحراك السلمي الذي تشهده الساحة الوطنية منذ سنتين .
لقد كان موقفنا والغالبية الساحقة من رموز هذا المكون الذين استطلعْتُ آراءهم هو الرفض التام لمثل هذه الدعوات ، ليس لجهة عدم وجاهتها ، وإنما بسبب حرص الجميع على الوحدة الوطنية والخوف من دق مسمار جديد في جدارها الذي نحرص على متانته وصلابته وتماسكه اكثر من غيرنا.
صحيح أن صبر شريحة "لمعلمين " الايوبي لا يمكن الرهان عليه وإلى الابد في مقابل غياب أية استراتيجية واضحة المعالم تعمل على إعادة الاعتبار إليهم وتنفض غبار النسيان عنهم وتهدف ايضا إلى إشراكهم الفعلي - وليس الشكلي – في عملية صنع القرار وتحسين صورتهم من خلال مقاربة شاملة تطال المقررات التربوية والبرامج الثقافية و الدينية والمسرح ...
وصحيح كذلك أن اجيالا من أبناء هذه الشريحة من حملة الشهادات المرموقة لم يعد بالإمكان اقناعهم بالتزام الصمت وابتلاع الاهانات اليومية والشعور الحقيقي بالتهميش على أديم وطن هم جزء أصيل منه ... بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية التي لا يكمن أن تبقى موضع احترام وتقديس طرف واحد وحسب ، في حين أن الاطراف الاخرى تجهز عليها بمعاول الظلم والتهميش والإقصاء الممنهج .
لكن صحيح ايضا ، أن الوطن يستحق منا بذل أعلى اثمان التضحية والتحلي بأعلى درجات الصبر والتحمل حتى لا نجعل من مطالبنا - الوجيه و التي نسعى من خلالها الى تحقيق المساواة والعزة والكرامة على ارض اجدادنا - مدخلا للنيل من سيادة الوطن والتدخل في شؤونه الداخلية من لدن قوى خارجية تتخفى في الغالب خلف شعارات منظمات الامم المتحدة ، في حين أن الرهان على الداخل لا يزال ممكنا وقد يعطى ثماره المرجوة من خلال مواصلة الضغوطات السلمية والاستفادة من مواقف بعض الخيرين الغيورين على الوحدة الوطنية وكسب المزيد من الاصدقاء من الطبقة المثقفة والفاعلين السياسين ورجالات الدين ...
ويبقى الدور المحوري منوطا بالدولة الموريتانية التي يتعين عليها ان تُقْدِم دون إبطاء على خطوات ملموسة قبل أن ينفد صبر هذا المكوّن العريق من مكونات شعبنا المعروف بصبره وقدرته العجيبة على التحمل .. فلا يُترك أمامه من خيار - بعد أن تغلق في وجهه جميع أبواب الامل - سوى خيار اللجوء الى التّــظلم و التّشكِّي للمنظمات الدولية والإقليمية طلبا للنصرة ونيل الحقوق المسلوبة ... وهو يوم لا نتمنى أن نراه لما ينطوي عليه من معاني ليس اقلها سوءا فشل الدولة الموريتانية بكل مؤسساتها والمجتمع بمختلف نخبه في فرض معادلة تقوم على أسس أكثر عدالة وإنصافا ، كان بإمكانها لو تمت أن تعصم البلاد والعباد من غوائل الفرقة والتشرذم وكل ما من شأنه أن يشكل مدخلا ومبررا لتدخل القوى الخارجية في صميم الشأن الداخلي الموريتاني وما ينطوى على ذلك من تداعيات غير محمودة العواقب .