للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أعداء كثيرون ارتفعت أصواتهم وبحت حناجرهم وانتفخت أوداجهم وملئوا الصحائف وسودوا الدفاتر من نقده وكشف زلاته وتصيد زلقاته، فمنهم من ينتقده بتحامل وتجريح، ومنهم من ينتقده بإنصاف وتلميح، ولعلي أرى نفسي أقرب إلى الصنف الأخير، فمنذ أن وصل الرئيس إلى سدة الحكم حتى الآن، ثمنت كل ما قام به من إنجازات تذكر فتشكر، مع أنه لا شكر على واجب، لكن ذلك لم يمنعني أن أسجل ملاحظاتي على سياسته التي ظهرت فيها هفواته بشكل جلي عند أول وهلة مارس فيها صلاحياته الرئاسية، حيث كشفت عن عيوب قاتلة تتمثل في التهور السياسي والارتجالية في القرارات والتخبط في السياسة الخارجية العرجاء، وتصفية الحسابات مع الخصوم تحت ذرائع مختلفة والتي كان آخرها مذكرة التوقيف الدولية ضد المصطفى ولد الشافعي. إن العلاقة التي تربطني بالأخير قد تصب في مصلحة عزيز لأن أخلاقي تمنعني من التحيز والعصبية القبلية، وهو ما يحتم علي أن أغض الطرف عن كل ما يحمله ولد الشافعي من خصال حميدة وشيم نبيلة لأفتح عيني على ما فيه من عيوب ومثالب، حتى يتبين لي أي الرجلين أحق بالإثم وأقرب للزلل. يبدو من عيوب ولد الشافعي أنه شخص ثوري أكثر من اللازم، ويرتمي في أحضان دولة أجنبية ليس من المستبعد أن يكون لها تأثير على قراره السياسي مع أنه لا دليل على ذلك، كما يؤخذ عليه شدة نقده وكثرة تهجمه الذين لا يقدم معهما أي بديل ولا يرفقهما بعمل سياسي جليل، بينما تكمن هفوات عزيز في قراره المتسرع الذي لا مسوغ له ولم يحن وقته بعد، فمذكرات التوقيف الدولية تصدر عادة ضد أشخاص ارتكبوا جرائم فعلية على أرض الواقع لا بمجرد نقدهم وتنديدهم بسياسة حكومة تدعي أنها وصلت إلى سدة الحكم بشكل ديمقراطي في دولة نظامها كذلك، فمن المعلوم أن القانون لا يعاقب الإنسان على نيته وقوله ما لم يعمل بهما، وإذا كان ولد الشافعي قد حرض قادة الجيش على الإطاحة بعزيز فقد قام الأخير بما هو أبعد من التحريض حين انقلب على رئيس شرعي جاء بشكل ديمقراطي، مما يحتم عليه أن يتذكر المقولة الشهيرة "كما تدين تدان" كما أن منع السلطات الموريتانية لزوجة ولد الشافعي من زيارة وطنها وذويها يعتبر انحطاطا أخلاقيا مقززا في النفس وسيضرب النسيج الاجتماعي الموريتاني ويزرع الأحقاد البغيضة التي بدأت تتجلى على أرض الواقع إثر الشجار الذي أدى إلى الاعتداء على أخت ولد الشافعي بحي كرفور. إن تجاهل عزيز لقوة رجل ثري وسياسي مخضرم مثل مصطفى ولد الشافعي الذي يمتلك من وسائل الضغط السياسية ما يستطيع أن يضر بها وينفع، سينعكس عليه بشكل سلبي يؤرقه ويقض مضجعه، ذلك أن ولد الشافعي إخطبوط سياسي له أذرع متعددة في مختلف الدول الإفريقية والأوروبية، فهو نشط في المفاوضات السياسية الإفريقية، ويتمتع بثقة كبيرة لدى الأوروبيين الذين يعولون عليه في الوساطة مع تنظيم القاعدة - وما موقف فرنسا من توقيفه عن ذلك ببعيد - وليس من السهل أن يفرطوا فيه بعد تزايد قوة التنظيم وتنامي خطره إثر سقوط ألقذافي الذي وفر له من المئونة والعتاد ما يلزم. وكان الأجدر بعزيز أن يمد يد الحوار والتفاهم إلى ولد الشافعي ويستغل مكانته في علاقاته الدبلوماسية مع الدول الإفريقية ومفاوضاته مع القاعدة التي تصطاد الجنود الموريتانيين يوما بعد يوم قتلا واختطافا، بدل التصعيد والتوقيف. وفي الأخير لا يسعني إلا أن أشفق على وطني العزيز الذي أرجو ألا يتمزق بين شد ولد الشافعي وجذب ولد عبد العزيز.