لا شك أن أي مواطن يراقب ما يجري من حراك سياسي في ولاية لعصابة ستنتابه حيرة شديدة ودهشة كبيرة وهو يرى ما آل إليه بلده بعد خمسين عاما من الاستقلال حيث ما يزال أسير القبضة العسكرية والمشايخ القبلية والصراعات الجهوية في ظل حكومة تكذب بعدد أنفاسها ووزراء يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من قبل شعب بائس أضناه الجوع وأهلكه الفقر وهم يتعاقبون عليه في زيارات عبثية لا هدف منها سوى ذر الرماد في عيونه واللعب على عقوله حتى يطول سباته وتنهب ثروته من قبل مفسدين يرتعون في خيراته ومقدراته.
لقد أصبح انهيار الدولة باديا للعيان بسبب السياسات التي يتبعها النظام في المحاصصة القبلية التي يضطر بموجبها إلى ترشيح أشخاص لا يمتلكون من الكفاءة والمؤهلات العلمية ما يخولهم تولي أي منصب سياسي أو إداري وذلك حرصا منه على نيل أصوات الناخبين الذين يتم توجيههم من قبل مشايخ تقليدية ليس لهم في السياسة مكرعا ولا في العلم مرتعا، وهو الأمر الذي أربك الحزب الحاكم وأصابه بتخمة سياسية بسبب المنافسة المحمومة بين القبائل والفئات الاجتماعية التي بداخله.
إن ترسيخ الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات سيظل حلما بعيد المنال ما لم يتم تقليم أظافر القبائل وفك تحالفها السياسي المقيت مع النظام الذي دأب على ترويضها بالضغط على أطرها وموظفيها الذين يعدهم ويمنيهم إن استجابوا ويرهبهم بالإقصاء البعيد والوعيد الشديد إذا رفضوا.
كان النظام الموريتاني إبان الاستقلال في الستين من القرن الماضي يضطر إلى إرضاء المشايخ التقليدية حتى لا يقع انشطار في جسم الدولة التي خرجت لتوها من ركام الصراعات القبلية.. ورغم وجاهة هذه النظرية إلا أن بقاءها لم يعد له مبرر بعد مضي 50 عاما على قيام الجمهورية وانقراض ذلك الرعيل البدوي الاول وميلاد جيل جديد في ظل دولة حديثة لها مؤسسات مدنية وعسكرية قادرة على ردع كل من تسول له نفسه الخروج عليها.
لكن ما يقتل حنقا أن نرى الدولة اليوم بعد خمسة عقود على إنشائها ما تزال تعصف بها الانقلابات وتتجاذبها القبائل حتى جعلتها على كف عفريت لا أحد يمكنه أن يتنبأ بمصيرها بسبب انتهاج هذه السياسة المقيتة والعقلية المميتة.
شاهدنا في الشهور الماضية والأيام السالفة مشاهد مخزية ومظاهرة محزنة يقشعر لها البدن ويندى لها الجبين تمثلت في تهييج القبائل وإذكاء شيطان المنافسة بينها وذلك بدعوتها إلى ولوج السياسة بشكل سافر حتى لو كان على حساب الاحزاب التي أنشئت لهذا الغرض.