قرأت في الأيام الأخيرة -دون متعة كثيرة- ما سطره الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، في كتابه "نجاة العرب" الذي يدور حول فكرة واحدة: أن نجاة العرب تكمن في مسألة واحدة، هي زيادة اهتمامهم بلغتهم حتى يتسنى لهم الكلام بها بدل اللهجات العامية التي تفرق ولا تجمع" ورغم نبل هذه الفكرة، واحترامي لصاحبها، إلا أنها لا تستحق ما أعطاها المؤلف من إسهاب وإطناب غير منسق المعاني ولا متسق المباني.
بدأ المؤلف في إطراء نفسه وسرد إنجازاته ومزاياه على شعبه خلال فترة حكمه السياسي، ثم أراد أن يَظهَر في صورة رجل سياسي ذي خبرة طويلة بالشؤون العربية والدولية.
وقد اختار المؤلف أن يصوغ كتابه فيما يبدو على شكل حوار مسرحي -لم يلتزم فيه بقواعد الفن- يدور بين أربعة أشخاص هم:
حسن: وهو طالب جامعي أنهى دراسته منذ عشر سنين لكنه لم يحصل على عمل حتى الآن.
صالح: رجل مثقف ومسؤول إداري سابق وهو حزين ومغموم بسبب ما آل إليه حال العرب من ضعف وتخلف.
خالد: الذي عمل ثماني سنوات مدرسا للغة العربية ثم التحق بحزب الخضر الداعين إلى الحفاظ على البيئة متحمسا للمسار الديمقراطي الذي بدأ في بلده منذ سنوات.
أمينه: طالبة لم تحصل على شهادة جامعية عالية ولكنها واسعة الثقافة عاشقة للمطالعة والمعرفة.
عمر: رجل سياسي ذو خبرة طويلة بالشؤون العربية ومراقب فطن لما يحدث على الساحة الدولية.
يرى المؤلف أن كل مشكلات العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية... وما يدور في الوطن العربي من صراعات طائفية وعرقية وما تعصف به من ثورات وفتن يكمن حله في شيء واحد وهو أن يتكلم العرب بلغتهم الفصحى ويرموا باللهجات "المتخلفة" وراء ظهورهم حتى تكون نسيا منسيا، وعندها تنحل مشاكلهم في لمح البصر.
يسأله حسن عن السُبل الكفيلة بالقضاء على الارهاب والتطرف والانفلات الامني الذي يعصف بالأمة العربية، وعن الطرق المناسبة والنظريات الناجحة التي يمكنها أن تخرج الأمة من مستنقع الفقر والبطالة والأمية فيرد عليه أن الحل الوحيد أن يتعلموا العربية الفصحى حتى يجعلوا منها لغة عملية يتخاطبون بها في مختلف ميادين الحياة..
ويتساءل خالد عن السر الحقيقي وراء التدخل الاجنبي في الشؤون العربية، فيجيبه المؤلف بأنه لا يرى عدوا أشد بطشا بالعرب من الجهل الذي جلبوه لأنفسهم بتخليهم عن اللغة العربية.
وتستفسره أمينه عن الأسباب الكامنة خلف فتور العلاقات بين الدول العربية والتعاون العربي المشترك؟ فيرد عليها قائلا: لو رجع العرب إلى لغتهم الجميلة لكان السّيْر على طريق الوحدة أقرب وأسهل، ويعتقد المؤلف أن ترسيخ الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات مرهون بكلام الشعوب بالعربية الفصحى.
كنت أتوقع من فخامة الرئيس معاوية ولد الطايع -وهو الذي حكم البلاد 21 عاما وله خبر سياسية طويلة- أن يخرج لنا مذكرات ضخمة يتحدث فيها عن تجاربه السياسية وحياته الوطنية، يميط فيها الستار عما كان يدور في كواليس القصور ودهاليز السجون، لكن المفاجأة كانت في إصدار كتيب صغير غرّد فيه خارج السرب ليتناول موضوعا ليس محل نقاش ولا مثار جدل، بَيدَ أن المفارقة الطريفة أن العنوان كبير والكتيب صغير والمضمون يسير.
بصراحة! لم أقرأ في حياتي كتابا أقل فائدة وأكثر سآمة وسخافة من الكتيب المذكور حيث شعرت بنكد شديد وسآمة لا تطاق، مع ضيق في الصدر وحشرجة في النفس وأنا أطالعه، لكني ما إن أكملت ختمه حتى حمدت الله واستنشقت الهواء وتنفست الصعداء فرحا بانتهائه وندما على قراءته والنية ألا أعود إليه، ولولا احترامي لآية قرآنية وردت فيه لرميته في القمامة! لكني ألتمس لصاحبه العذر لأن الفراغ يجر إلى كثير من الهوس ... ونصيحتي للقراء أن لا يقرؤوه!